اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 18 شوال 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????? ???????? ?????? ?????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

سم الله

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد السابع عشر
كتاب التفسير
تفسير سورة الإخلاص
تنازع الذين قالوا‏:‏ كلام الله غير مخلوق ـ تتمة ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

والنبي صلى الله عليه وسلم سأل أبيًا‏:‏ ‏(‏أي آية في كتاب اللّه أعظم‏؟‏‏)‏ فأجابه أبي بأنها آية الكرسي، فضرب بيده في صدره وقال‏:‏ ‏(‏ليَهَنك العلم أبا المنذر‏)‏‏.‏ ولم يستشكل أُبي ولا غيره السؤال عن كون بعض القرآن أعظم من بعض، بل شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم لمن عرف فضل بعضه على بعض وعرف أفضل الآيات، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏‏.‏
وما رأيتهم تنازعوا في تفسير ‏{‏بِخَيْرٍ مِّنْهَا‏}‏، فإن هذه الآية فيها قراءتان مشهورتان‏:‏ قراءة الأكثرين‏:‏ ‏{‏أَوْ نُنسِهَا‏}‏ من أنساه ينسيه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو‏:‏ ‏[‏أو ننسأها‏]‏ بالهمز من نسأه ينسأه‏.‏ فالأول من النسيان، والثاني من نسأ إذا أخر‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ نَسَأْتُةُ نَسأ‏:‏ إذا أَخَّرْتُهُ‏.‏ وكذلك أنسأته، يقال‏:‏ نسأته البيع وأنسأته‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ أنسأ اللّه في أجله ونسأ في أجله بمعنى‏.‏ ومن هذه المادة بيع النسيئة‏.‏ ومن كلام العرب‏:‏ من أراد النَّسَاء ولا نَسَاء، فليبكر الغداء، وليخفف الرداء، وليقلل من غشيان النِّساء‏.‏
فأما القراءة الأولى فمعناها ظاهر عند أكثر المفسرين، قالوا‏:‏ المراد به ما أنساه اللّه من القرآن كما جاءت الآثار بذلك، فإن ما يرفع/من القرآن إما أن يكون رفعًا شرعيًا بإزالته من القلوب وهو الإنساء، فأخبر ـ تعالى ـ أن ما ينسخه أو ينسيه، فإنه يأتي بخير منه أو مثله، بين ذلك فضله ورحمته لعباده المؤمنين، فإنه قال قبل ذلك‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏}‏
‏[‏البقرة‏:‏ 104، 105‏]‏، فنهاهم عن التشبه بأهل الكتاب في سوء أدبهم على الرسول وعلى ما جاء به، وأخبر أنهم لحسدهم ما يودون أن اللّه ينزل عليه شيئا من الكتاب والحكمة، ثم أخبر بنعمته على المؤمنين، فإنه قد كان بعض القرآن ينسخ وبعضه ينسى ـ كما جاءت الآثار بذلك ـ وما أنساه ـ سبحانه ـ هو مما نسخ حكمه وتلاوته، بخلاف المنسوخ الذي يتلى وقد نسخ ما نسخ من حكمه أو نسخ تلاوته ولم ينس، وفي النسخ والإنساء نقص ما أنزله على عباده‏.‏
فبين ـ سبحانه ـ أنه لا نقص في ذلك، بل كل ما نسخ أو ينسى فإن اللّه يأتي بخير منه أو مثله، فلا يزال المؤمنون في نعمة من اللّه لا تنقص بل تزيد، فإنه إذا أتي بخير منها زادت النعمة، وإن أتي بمثلها، كانت النعمة باقية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ نُنسِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏، فأضاف الإنساء إليه، فإن هذا الإنساء ليس مذمومًا، بخلاف نسيان ما يجب حفظه، فإنه مذموم/ فإن هذا إنساء لما رفعه اللّه، وأما نسيان ما أمر بحفظه فمذموم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى‏}‏
‏[‏طه‏:‏ 162‏]‏، وهذا النسيان وإن كان متضمنًا لترك العمل بها مع حفظها فإذا نسيت الآيات بالكلية حتى لا يعرف ما فيها، كان ذلك أبلغ في ترك العمل بها فكان هذا مذموما‏.‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن‏:‏ ‏(‏من قرأ القرآن ثم نسيه، لقي اللّه وهو أجذم‏)‏، ولهذا كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يضيف الإنسان النسيان إلى نفسه، فقال في الحديث المتفق عليه‏:‏ ‏(‏بئس ما لأحدهم أن يقول‏:‏ نسيت آية كيت وكيت، بل هو أنسي‏.‏ استذكروا القرآن فلهو أشد تفلتًا من صدور الرجال من النعم من عقلها‏)‏‏.‏
ثم منهم من جعل ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏ هو ما ترك تلاوته ورسمه ونسخ حكمه، وما أنسي هو ما رفع فلا يتلي‏.‏ ومنهم من أدخل في الأول ما نسخت تلاوته وإن كان محفوظًا‏.‏ فالأول قول مجاهد وأصحاب عبد اللّه بن مسعود، وروى الناس بالأسانيد الثابتة عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد قوله‏:‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ‏}‏ قال‏:‏ نثبت خطها ونبدل حكمها، قال‏:‏ وهو قول عبد اللّه بن مسعود ‏{‏أَوْ نُنسِهَا‏}‏ أي‏:‏ نمحوها فإن ما نسي لم يترك‏.‏ وروى ابن أبي حاتم بإسناده، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل/وينساه بالنهار، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏‏.‏ وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص ومحمد بن كعب وقتادة وعكرمة‏.‏ وكان سعد بن أبي وقاص يقرأها ‏[‏أَوْ نُنسِهَا‏]‏ بالخطاب، أي‏:‏ تنسها أنت يامحمد، وتلا قوله‏:‏ ‏{‏سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 6‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 24‏]‏‏.‏
وقد جاءت الآثار بأن أحدهم كان يحفظ قرآنًا ثم ينساه، ويذكرون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول‏:‏ ‏[‏إنه رفع‏]‏، مثل ما صح من حديث الزهري، حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ـ في مجلس سعيد بن المسيب ـ أن رجلًا كان معه سورة فقام يقرأها من الليل فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها، فأصبحوا فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم‏:‏ ذهبت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها‏.‏ وقال الآخر‏:‏ ما جئت إلا لذلك‏.‏ وقال الآخر‏:‏ ما جئت إلا لذلك، وقال الآخر‏:‏ وأنا يا رسول اللّه‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنها نسخت البارحة‏)‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏[‏أو ننسأها‏]‏ النسأ بمعنى التأخير، وفيه قولان للسلف‏:‏ القول الأول يروى عن طائفة، قال السدي‏:‏ ‏[‏ما ننسخ من آية‏]‏ قال‏:‏ نسخها‏:‏ قبضها ‏[‏أو ننسأها‏]‏ فنتركها لا ننسخها ‏[‏نأت بخير‏]‏ من / الذي نسخناه أو مثل الذي تركناه‏.‏ وكذلك في تفسير الوالبي عن ابن عباس‏:‏ ‏[‏ما ننسخ من آية أو ننسأها‏]‏ يقول‏:‏ ما نبدل من آية أو نتركها فلا نرفعها من عندكم ‏{‏نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏، روي ذلك عن الربيع بن أنس‏.‏ ومن الناس من فسر بهذا المعنى القراءة الأولى فقالوا‏:‏ معنى ننسها‏:‏ نتركها عندكم، فإن النسيان هو الترك‏.‏ وقال الأزهري ننسها‏:‏ نأمر بتركها‏.‏ يقال‏:‏ أنسيت الشيء، وأنشد‏:‏
إني علي عقبة أقضيهــــا ** لســت بناسـيها ولا منسيها
أي‏:‏ ولا آمر بتركها‏.‏
والقول الثالث‏:‏ نؤخرها عن العمل بها بنسخنا إياها‏.‏
والصواب القول الأوسط، روى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس قال‏:‏ خطبنا عمر ـ رضي اللّه عنه ـ فقال‏:‏ يقول اللّه‏:‏ ‏[‏ما ننسخ من آية أو ننسأها‏]‏، أي‏:‏ نؤخرها‏.‏ وبإسناده المعروف عن أبي العالية ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ‏}‏ فلا يعمل بها ‏[‏أو ننسأها‏]‏، أي‏:‏ نرجئها عندنا، وفي لفظ عن أبي العالية‏:‏ نؤخرها عندنا‏.‏ وعن عطاء‏:‏ نؤخرها‏.‏ وقد ذكر قول ثالث عن السلف وهو قول رابع أن المعنى‏:‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ‏}‏ وهو ما أنزلناه إليكم ولا نرفعه ‏[‏أو ننسأها‏]‏، أي‏:‏ نؤخر تنزيله فلا ننزله‏.‏ ونقل هذا بعضهم عن سعيد بن المسيب وعطاء‏.‏ أما /‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ‏}‏ فهو ما قد نزل في القرآن، جعلاه من النسخة ‏[‏أو ننسأها‏]‏، أي‏:‏ نؤخرها فلا يكون، وهو ما لم ينزل‏.‏
وهذا فيه نظر؛ فإن ابن أبي حاتم روى بالإسناد الثابت عن عطاء ‏{‏مّا نّنًسّخً مٌنً آيّةُ‏}‏‏:‏ أما ما نسخ فهو ما ترك من القرآن ‏[‏بالكاف‏]‏ وكأنه تَصَحَّف على من ظنه نزل من النزول، فإن لفظ ترك فيه إبهام‏.‏ ولذلك قال ابن أبي حاتم‏:‏ يعني ترك لم ينزل على محمد، وليس مراد عطاء هذا، وإنما مراده أنه ترك مكتوبًا متلوًا ونسخ حكمه كما تقدم عن غيره، وما أنسأه هو ما أخره لم ينزله‏:‏ وسعيد وعطاء من أعلم التابعين لا يخفى عليهما هذا‏.‏ وقد قرأ ابن عامر‏:‏ ‏[‏ما ننسخ من آية‏]‏ وزعم أبو حاتم أنه غلط، وليس كما قال، بل فسرها بعضهم بهذا المعنى فقال‏:‏ ما ننسخ‏:‏ نجعلكم تنسخونها كما يقال‏:‏ أكتبته هذا‏.‏ وقيل‏:‏ أنسخ جعله منسوخًا، كما يقال‏:‏ قبره إذا أراد دفنه، وأقبره، أي‏:‏ جعل له قبرًا‏.‏ وطرده‏:‏ إذا نفاه، وأطرده‏:‏ إذا جعله طريدًا‏.‏ وهذا أشبه بقراءة الجمهور‏.‏
والصواب‏:‏ قول من فسر ‏[‏أو ننسأها‏]‏، أي‏:‏ نؤخرها عندنا فلا ننزلها‏.‏ والمعنى‏:‏ أن ما ننسخه من الآيات التي أنزلناها‏.‏ أو نؤخر نزوله من الآيات التي لم ننزلها بعد ‏{‏نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏، فكما أنه يعوضهم من المرفوع يعوضهم من المنتظر الذي لم ينزله بعد إلى أن ينزله، /فإن الحكمة اقتضت تأخير نزوله فيعوضهم بمثله أو خير منه في ذلك الوقت إلى أن يجيء وقت نزوله فينزله ـ أيضًا ـ مع ما تقدم ويكون ما عوضه مثله أو خيرًا منه قبل نزوله‏.‏ وأما ما أنزله إليهم ولم ينسخه، فهذا لا يحتاج إلى بدل، ولو كان كل ما لم ينسخه اللّه يأت بخير منه أو مثله، لزم إنزال مالا نهاية له‏.‏
وكذلك إن قدر أن المراد يؤخر نسخه إلى وقت ثم ينسخه، فإنه ما دام عندهم لم يحتج إلى بدل يكون مثله أو خيرًا منه، وإنما البدل لما ليس عندهم مما أنسوه أو أخر نزوله فلم ينزله بعـد؛ ولهـذا لم يجعـل البدل لكل ما لم ينزله، بل لما نسأه فأخر نزوله؛ إذ لو كان كل مـا لم ينزل يكـون له بدل، لزم إنزال ما لا نهاية له، بل ما كان يعلم أنه سينزله وقد أخـر نزوله يكونون فاقديـه إلى حين ينزل، كما يفقـدون مـا نزل ثم نسـخ، فيجعـل ـ سبحانه ـ لهذا بدلًا ولهذا بدلًا‏.‏ وأما ما أنزله وأقره عندهم وأخر نسخه إلى وقت، فهذا لا يحتاج إلى بـدل، فإنه نفسـه بـاق، ولو كـان هـذا مـرادًا؛ لكان كل قرآن قد نسخه يجب أن ينزل قبل نسخه ما هو مثله أو خير منه، ثم إذا نسخه يأتي بخير منه أو مثله، فيكون لكل منسوخ بدلان‏:‏ بدل قبل نسخه، وبدل بعد نسخه‏.‏ والبدل الذي قبل نسخه لا ابتداء لنزوله، فيجب أن ينزل من أول الأمر، فيلزم نزول ذلك كله في أول الوحي، وهذا باطل قطعًا‏.‏
/فـإن قيل‏:‏ فهـذا يلزم فيما أخره فلم ينزله، فإن له بدلًا ولا وقت لنزول ذلك البدل، قيـل‏:‏ مـا أخـر نزوله وهـو يريد إنزاله معلوم، والبدل الذي هو مثله أو خير منه يؤتى به في كـل وقت، فـإن القرآن ما زال ينزل، وقد تضمن هذا أن كل ما أخر نزوله فلابد أن ينزل قبله ما هو مثله أو خير منه، وهذا هو الواقع، فإن الذي تقدم من القرآن نزوله لم ينسخ كثير منه خير مما تأخر نزوله، كالآيات المكية، فإن فيها من بيان التوحيد والنبوة والمعاد وأصول الشرائع ما هو أفضل من تفاصيل الشرائع، كمسائل الربا، والنكاح، والطلاق، وغير ذلك‏.‏ فهذا الذي أخره اللّه مثل آية الربا فإنها من أواخر ما نزل من القرآن، وقد روي أنها آخر ما نزل، وكذلك آية الدَّينِ والعِدَّةِ والحيض ونحو ذلك، قد أنزل اللّه قبله ما هو خير منه من الآيات التي فيها من الشرائع ما هو أهم من هذا، وفيها من الأصول ما هو أهم من هذا‏.‏
ولهذا كانت سورة الأنعام أفضل من غيرها، وكذلك سورة يس ونحوها من السور التي فيها أصول الدين التي اتفق عليها الرسل كلهم - صلوات اللّه عليهم - ولهذا كانت ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏
ـ مع قلة حروفها ـ تعدل ثلث القرآن؛ لأن فيها التوحيد، فعلم أن آيات التوحيد أفضل من غيرها، وفاتحة الكتاب نزلت بمكة بلا ريب، كما دل عليه قوله/ تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 87‏]‏، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته‏)‏، وسورة الحجر مكية بلا ريب، وفيها كلام مشركي مكة وحاله معهم، فدل ذلك على أن ما كان اللّه ينسأه فيؤخر نزوله من القرآن، كان ينزل قبله ما هو أفضل منه، و‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏
مكية بلا ريب، وهو قول الجمهور‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنها مدنية، وهو غلط ظاهر‏.‏
وكذلك قول من قال‏:‏ الفاتحة لم تنزل إلا بالمدينة غلط بلا ريب‏.‏ ولو لم تكن معنا أدلة صحيحة تدلنا على ذلك لكان من قال‏:‏ إنها مكية معه زيادة علم‏.‏ وسورة ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏
، أكثرهم على أنها مكية‏.‏ وقد ذكر في أسباب نزولها سؤال المشركين بمكة وسؤال الكفار من أهل الكتاب اليهود بالمدينة، ولا منافاة، فإن اللّه أنزلها بمكة أولًا، ثم لما سئل نحو ذلك أنزلها مرة أخري‏.‏ وهذا مما ذكره طائفة من العلماء وقالوا‏:‏ إن الآية أو السورة قد تنزل مرتين وأكثر من ذلك‏.‏
فما يذكر من أسباب النزول المتعددة قد يكون جميعه حقًا‏.‏ والمراد بذلك أنه إذا حدث سبب يناسبها، نزل جبريل فقرأها عليه ليعلمه أنها تتضمن جواب ذلك السبب، وإن كان الرسول يحفظها قبل ذلك‏.‏ /والواحد منا قد يسأل عن مسألة فيذكر له الآية أو الحديث، ليبين له دلالة النص على تلك المسألة وهو حافظ لذلك، لكن يتلى عليه ذلك النص ليتبين وجه دلالته على المطلوب‏.‏
فقد تبين أن البدل لما أخر نزوله بخلاف ما كان عندهم لم ينسخ، فإن هذا لا بدل له، ولو قدر أنه سينسخ فإنه ما دام محكما، لم يكن بدله خيرًا منه‏.‏ وكذلك البدل عن المنسوخ يكون خيرًا منه‏.‏ وأكثر السلف أطلقوا لفظ ‏{‏بِخَيْرٍ مِّنْهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏ كما في القرآن، ولم يستشكل ذلك أحد منهم‏.‏ وفي تفسير الوالبي‏:‏ خير لكم في المنفعة وأرفق بكم‏.‏ وعن قتادة‏:‏ ‏{‏نأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ آية فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهى‏.‏ وهذان لم يستشكلا كونها خيرًا من الأولى، بل بينا وجه الفضيلة، كما تقدم من أن الكلام الأمـري يتفاضـل بحسب المطلوب، فـإذا كان المطلـوب أنفع للمأمور، كان طلبه أفضل، كما أن رحمة اللّه التي سبقت غضبه هي أفضل من غضبه‏.‏ فما قالاه تقرير للخيرية لا نفي لها‏.‏
فإن قيل‏:‏ فآية الكرسي قد ثبت أنها أعظم آية في كتاب اللّه، وإنما نزلت في ســورة البقرة ـ وهي مدنية بالاتفاق ـ فقد أخر نزولها ولم ينزل قبلها ما هو خير منها ولا مثلها‏؟‏ قيل‏:‏ عن هذا أجوبة‏:‏
/أحدها‏:‏ أن اللّه قال‏:‏ ‏{‏نأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏، ولم يقل‏:‏ بآية خير منها، بل يأتي بقرآن خير منها أو مثلها‏.‏ وآية الكرسي وإن كانت أفضل الآيات فقد يكون مجموع آيات أفضل منها‏.‏ والبقرة وإن كانت مدنية بالاتفاق، وقد قيل‏:‏ إنها أول ما نزل بالمدينة، فلا ريب أن هذا في بعض ما نزل، وإلا فتحريم الربا إنما نزل متأخرًا‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 218‏]‏ من آخر ما نزل‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏، نزلت عام الحديبية سنة ست باتفاق العلماء، وقد كانت سورة الحشر قبل ذلك، فإنها نزلت في بني النضير باتفاق الناس، وقصة بني النضير كانت متقدمة على الحديبية، بل على الخندق باتفاق الناس، وإنما تأخر عن الخندق أمر بني قريظة، فهم الذين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم عقب الخندق، وأما بنو النضير، فكان أجلاهم قبل ذلك باتفاق العلماء‏.‏ وكذلك سورة الحديد مدنية عند الجمهور، وقد قيل‏:‏ إنها مكية وهو ضعيف؛ لأن فيها ذكر المنافقين وذكر أهل الكتاب، وهذا إنما نزل بالمدينة، لكن يمكن أنها نزلت قبل كثير من البقرة‏.‏
ففي الجملة، نزول أول الحديد وآخر الحشر قبل آية الكرسي ممكن، والأنعام ويس وغيرها نزل قبل آية الكرسي بالاتفاق‏.‏
الجواب الثاني‏:‏ أنه ـ تعالى ـ إنما وعد أنه إذا نسخ آية أو نسأها، أتي/بخير منها أو مثلها لما أنزل هذه الآية قوله‏:‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏، فإن هذه الآية جملة شرطية تضمنت وعده أنه لابد أن يأتي بذلك وهو الصادق الميعاد، فما نسخه بعد هذه الآية، أو أنسأ نزوله مما يريد إنزاله، يأت بخير منه أو مثله‏.‏ وأما ما نسخه قبل هذه أو أنسأه، فلم يكن قد وعد حينئذ أنه يأتي بخير منه أو مثله‏.‏ وبهذا ـ أيضًا ـ يندفع الجواب عن الفاتحة، فإنه لا ريب أنه تأخر نزولها عن سورة ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏سورة العلق‏]‏ وهي أفضل منها‏.‏ فعلم أنه قد يتأخر إنزال الفاضل، وأنه ليس كل ما تأخر نزوله نزل قبله مثله أو خير منه‏.‏ لكن إذا كان الموعود به بعد الوعد، لم يرد هذا السؤال‏.‏
يدل على ذلك قوله‏:‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ‏}‏، فإن هذا الفعل المضارع المجزوم إنما يتناول المستقبل، وجوازم الفعل ‏[‏إنْ‏]‏ وأخواتها ونواصبه تخلصه للاستقبال‏.‏
وقد يجاب بجواب ثالث‏:‏ وهو أن يقال‏:‏ ما نزل في وقته كان خيرًا لهم وإن كان غيره خيرًا لهم في وقت آخر، وحينئذ فيكون فضل بعضه على بعض على وجهين‏:‏ لازم كفضل آية الكرسي وفاتحة الكتاب و‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏.‏
وفضل عارض بحيث تكون هذه أفضل في وقت وهذه أفضل في وقت آخر، كما قد يقال في آية التخيير للمقيم بين الصوم والفطر مع الفدية ومع آية إيجاب الصوم عزما، وهذا كما أن/الأفعال المأمور بها كل منها في وقته أفضل، فالصلاة إلى القدس قبل النسخ كانت أفضل، وبعد النسخ الصلاة إلى الكعبة أفضل‏.‏
وعلى ما ذكر فيتوجه الاحتجاج بهذه الآية على أنه لا ينسخ القرآن إلا قرآن كما هو مذهب الشافعي، وهو أشهر الروايتين عن الإمام أحمد، بل هي المنصوصة عنه صريحًا ألا ينسخ القرآن إلا قرآن يجيء بعده، وعليها عامة أصحابه؛ وذلك لأن اللّه قد وعد أنه لابد للمنسوخ من بدل مماثل أو خير، ووعد بأن ما أنساه المؤمنين فهو كذلك، وأن ما أخره فلم يأت وقت نزوله فهو كذلك، وهذا كله يدل على أنه لا يزال عند المؤمن القرآن الذي رفع، أو آخر مثله، أو خير منه، ولو نسخ بالسنة، فإن لم يأت قرآن مثله أو خير منه، فهو خلاف ما وعد اللّه‏.‏ وإن قيل‏:‏ بل يأتي بعد نسخه بالسنة كان بين نسخه وبين الإتيان بالبدل مدة خالية عن ذلك وهو خلاف مقصود الآية، فإن مقصودها أنه لابد من المرفوع أو مثله أو خير منه‏.‏
وأيضًا، فقوله‏:‏ ‏{‏نَأْتِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106‏]‏ لم يرد به بعد مدة، فإن الذي نسأه وهو يريد إنزاله قد علم أنه ينزله بعد مدة، فلما أخبر أن ما أخره يأتي بمثله أو خير منه قبل نزوله، علم أنه لا يؤخر الأمر بلا بدل، فلو جاز أن يبقى مدة بلا بدل، لكان ما لم ينزل أحق بألا يكون له بدل من المنسوخ، فلما كان ذاك قد حصل له بدل قبل وقت نزوله لتكميل الأنعام، فلأن يكون البدل لما نسخ من /حين نسخ بَعْدُ أولى وأحرى؛ ولأنه قد علم أن القرآن نزل شيئا بعد شيء، فلو كان ما ينزله بدلًا عن المنسوخ يؤخره لم يعرف أنه بدل، ولم يتميز البدل من غيره، ولم يكن لقوله‏:‏ ‏{‏نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا‏}‏ فائدة إلا كالفائدة المعلومة لو لم ينسخ شيء‏.‏
غاية ما يقال‏:‏ إنه لو لم ينسخ شيء، لجاز ألا ينزل بعد ذلك شيء، وإذا نسخ شيء، فلابد من بدله ولو بعد حين‏.‏ وهذا مما يعتقدونه، فإنهم قد اعتادوا نزول القرآن عند الحوادث والمسائل والحاجة، فما كانوا يظنونه ـ إذا نسخت آية ـ ألا ينزل بعدها شيء، فإنها لو لم تنسخ، لم يظنوا ذلك، فكيف يظنون إذا نسخت‏؟‏ ‏!‏ الثاني‏:‏ أنه إذا كان قد ضمن لهم الإتيان بالبدل عن المنسوخ، علم أن مقصوده أنه لا ينقصهم شيء مما أنزله، بل لابد من مثل المرفوع أو خير منه، ولو بقوا مدة بلا بدل لنقصوا‏.‏
وأيضًا، فإن هذا وعد معلق بشرط، والوعد المعلق بشرط يلزم عقبه، فإنه من جنس المعاوضة وذلك مما يلزم فيه أداء العوض على الفور إذا قبض المعوض، كما إذا قال‏:‏ ما ألقيت من متاعك في البحر فعلى بدله، وليس هذا وعدًا مطلقًا كقوله‏:‏ ‏{‏لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 27‏]‏؛ ولهذا يفرق بين قوله‏:‏ واللّه لأعطينك مائة، وبين قوله‏:‏ واللّه لا آخذ منك شيئا إلا أعطيتك بدله، فإن هذا واجب على الفور‏.‏
/ومما يدل على المسألة أن الصحابة والتابعين الذين أخذ عنهم علم الناسخ والمنسوخ إنما يذكرون نسخ القرآن بقرآن، لا يذكرون نسخه بلا قرآن بل بسنة، وهذه كتب الناسخ والمنسوخ المأخوذة عنهم إنما تتضمن هذا‏.‏ وكذلك قول على ـ رضي الله عنه ـ للقاص‏:‏ هل تعرف الناسخ من المنسوخ في القرآن‏؟‏ فلو كان ناسخ القرآن غير القرآن، لوجب أن يذكر ذلك أيضًا‏.‏
وأيضًا الذين جوزوا نسخ القرآن بلا قرآن من أهل الكلام والرأي، إنما عمدتهم أنه ليس في العقل ما يحيل ذلك، وعدم المانع الذي يعلم بالعقل لا يقتضي الجواز الشرعي، فإن الشرع قد يعلم بخبره ما لا علم للعقل به، وقد يعلم من حكمة الشارع التي علمت بالشرع ما لا يعلم بمجرد العقل؛ ولهذا كان الذين جوزوا ذلك عقلًا مختلفين في وقوعه شرعًا، وإذا كان كذلك، فهذا الخبر الذي في الآية دليل على امتناعها شرعًا‏.‏
وأيضًا، فإن الناسخ مهيمن على المنسوخ، قاض عليه، مقدم عليه، فينبغي أن يكون مثله أو خيرًا منه كما أخبر بذلك القرآن؛ ولهذا لما كان القرآن مهيمنًا على ما بين يديه من الكتاب بتصديق ما فيه من حق، وإقرار ما أقره، ونسخ ما نسخه، كان أفضل منه، فلو كانت السنة ناسخة للكتاب، لزم أن تكون مثله أو أفضل منه‏.‏
/وأيضًا، فلا يعرف في شيء من آيات القرآن أنه نسخه إلا قرآن، والوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية المواريث، كما اتفق على ذلك السلف، قال تعالي‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 13، 14‏]‏‏.‏ والفرائض المقدرة من حدوده؛ ولهذا ذكر ذلك عقب ذكر الفرائض، فمن أعطي صاحب الفرائض أكثر من فرضه، فقد تعدى حدود الله، بأن نقص هذا حقه، وزاد هذا على حقه، فدل القرآن على تحريم ذلك وهو الناسخ‏.

عدد المشاهدات *:
361720
عدد مرات التنزيل *:
250851
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : تنازع الذين قالوا‏:‏ كلام الله غير مخلوق ـ تتمة ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  تنازع الذين قالوا‏:‏ كلام الله غير مخلوق ـ تتمة ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  تنازع الذين قالوا‏:‏ كلام الله غير مخلوق ـ تتمة ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1