اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 19 رمضان 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ????????? ???????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????????? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

ما دام

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد التاسع والعشرون
كتاب البَيْـــــــــــع
في العقود حلالها وحرامها
ربح من اتجر بمال غيره بغير إذنه
مجموع فتاوى ابن تيمية
وهذه الأقوال الثلاثة في مثل هذه المسألة موجودة بين الفقهاء ـ وهي ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره ـ هل يكون ربح من اتجر بمال غيره بغير إذنه لرب المال أو للعامل، أو لهما ‏؟‏ على ثلاثة أقوال‏.‏ وأحسنها وأقيسها أن يكون مشتركا بينهما، كما قضي به عمر؛ لأن النماء متولد عن الأصلين‏.‏
وإذا كان أصل المضاربة الذي قد اعتمدوا عليه، راعوا فيه ما ذكرناه من الشركة، فأخذ مثل الدراهم يجري مجري عينها؛ ولهذا سمي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده القرض مَنِيحة، يقال‏:‏ منيحة وَرِق‏.‏ ويقول الناس‏:‏ أَعِرّني دراهمك‏.‏ يجعلون رد مثل الدراهم مثل رد عين العارية، والمقترض انتفع بها وردها‏.‏ وسموا المضاربة قراضا؛ لأنها في المقابلات نظير القرض في التبرعات‏.‏
ويقال ـ أيضا ـ‏:‏ لو كان ما ذكروه من الفرق مؤثراً لكان اقتضاؤه / لتجويز المزارعة دون المضاربة أولي من العكس؛ لأن النماء إذا حصل مع بقاء الأصلين كان أولي بالصحة من حصوله مع ذهاب أحدهما‏.‏ وإن قيل‏:‏ الزرع نماء الأرض دون البدن‏.‏ فقد يقال‏:‏ والربح نماء العامل، دون الدراهم أو بالعكس‏.‏ وكل هذا باطل، بل الزرع يحصل بمنفعة الأرض المشتملة على التراب والماء والهواء ومنفعة بدن العامل والبقر والحديد‏.‏
ثم لو سُلِّم أن بينها وبين المضاربة فرقا، فلا ريب أنها بالمضاربة أشبه منها بالمؤاجرة؛ لأن المؤاجرة المقصود فيها هو العمل، ويشترط أن يكون معلوماً، والأجرة مضمونة في الذمة أو عين معينة‏.‏ وهنا ليس المقصود إلا النماء، ولا يشترط معرفة العمل، والأجرة ليست عيناً ولا شيئاً في الذمة، وإنما هي بعض ما يحصل من النماء؛ ولهذا متى عين فيها شيء معين فسد العقد، كما تفسد المضاربة إذا شرطا لأحدهما ربحا معينا، أو أجرة معلومة في الذمة‏.‏ وهذا بَيِّنٌ في الغاية‏.‏ فإذا كانت بالمضاربة أشبه منها بالمؤاجرة جداً، والفرق الذي بينهما وبين المضاربة ضعيف، والذي بينهما وبين المؤاجرة فروق غير مؤثرة في الشرع والعقل، وكان لابد من إلحاقها بأحد الأصلين، فإلحاقها بما هي به أشبه أولي‏.‏ وهذا أجلي من أن يحتاج فيه إلى إطناب‏.‏
الوجه الثالث‏:‏ أن نقول‏:‏ لفظ الإجارة فيه عموم وخصوص‏.‏/ فإنها على ثلاث مراتب‏.‏
أحدها‏:‏ أن يقال‏:‏ لكل من بذل نفعا بعوض‏.‏ فيدخل في ذلك المهر‏.‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏ وسواء كان العمل هنا معلوماً أو مجهولاً، وكان الآخر معلوماً أو مجهولاً، لازمًا أو غير لازم‏.‏
المرتبة الثانية‏:‏ الإجارة التي هي جعالة، وهو أن يكون النفع غير معلوم، لكن العوض مضموناً، فيكون عقداً جائزاً غير لازم، مثل أن يقول‏:‏ من رد على عبدي فله كذا‏.‏ فقد يرده من بعيد أو قريب‏.‏
الثالثة‏:‏ الإجارة الخاصة‏.‏ وهي أن يستأجر عينا، أو يستأجره على عمل في الذمة، بحيث تكون المنفعة معلومة، فيكون الأجر معلوماً والإجارة لازمة‏.‏ وهذه الإجارة التي تشبه البيع في عامة أحكامه‏.‏ والفقهاء المتأخرون إذا أطلقوا الإجارة، أو قالوا‏:‏ ‏[‏باب الإجارة‏]‏ أرادوا هذا المعني‏.‏
فيقال‏:‏ المساقاة والمزارعة والمضاربة ونحوهن من المشاركات على نماء يحصل، من قال‏:‏ هي إجارة بالمعني الأعم أو العام، فقد صدق‏.‏ ومن قال‏:‏ هي إجارة بالمعني الخاص فقد أخطأ‏.‏ وإذا كانت إجارة / بالمعني العام التي هي الجعالة‏.‏ فهنالك إن كان العوض شيئا مضموناً من عين أو دين، فلابد أن يكون معلوما، وأما إن كان العوض مما يحصل من العمل جاز أن يكون جزءاً شائعا فيه‏.‏كما لو قال الأمير في الغزو‏:‏ من دلنا على حصن كذا فله منه كذا، فحصول الجعل هناك مشروط بحصول المال، مع أنه جعالة محضة لا شركة فيه‏.‏ فالشركة أولي وأحري‏.‏
ويسلك في هذا طريقة أخري‏.‏ فيقال‏:‏ الذي دل عليه قياس الأصول أن الإجارة الخاصة يشترط فيها ألا يكون العوض غرراً، قياساً على الثمن‏.‏ فأما الإجارة العامة التي لا يشترط فيها العلم بالمنفعة، فلا تشبه هذه الإجارة؛ لما تقدم، فلا يجوز إلحاقها بها، فتبقي على الأصل المبيح‏.‏
فتحرير المسألة‏:‏ أن المعتقد لكونها إجارة يستفسر عن مراده بالإجارة‏.‏ فإن أراد الخاصة، لم يصح‏.‏ وإن أراد العامة، فأين الدليل على تحريمها إلا بعوض معلوم‏؟‏ فإن ذكر قياساً بين له الفرق الذي لا يخفي على غير فقيه، فضلا عن الفقيه، ولن يجد إلى أمر يشمل مثل هذه الإجارة سبيلا‏.‏ فإذا انتفت أدلة التحريم ثبت الحل‏.‏
ويسلك في هـذا طريقة أخري‏.‏ وهو قياس العكس‏.‏ وهو أن / يثبت في الفرع نقيض حكم الأصل؛ لانتفاء العلة المقتضية لحكم الأصل‏.‏فيقال‏:‏المعني الموجب لكون الأجرة يجب أن تكون معلومة‏:‏منتفٍ في باب المزارعة ونحوها؛ لأن المقتضي لذلك أن المجهول غرر‏.‏ فيكون في معني بيع الغرر المقتضي أكل المال بالباطل، أو ما يذكر من هذا الجنس‏.‏ وهذه المعاني منتفية في الفرع‏.‏ فإذا لم يكن للتحريم موجب إلا كذا ـ وهو منتفٍ ـ فلا تحريم‏.‏
وأما الأحاديث ـ حديث رافع بن خديج وغيره ـ فقد جاءت مفسرة مبينة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن نهيا عما فعل هو والصحابة في عهده وبعده، بل الذي رخص فيه غير الذي نهى عنه‏.‏ فعن رافع بن خديج قال‏:‏ كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا، كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمي لسيد الأرض‏.‏ قـال‏:‏ مما يصاب ذلك وتسلم الأرض، ومما تصاب الأرض ويسلم ذلك‏؟‏ فنهينا‏.‏ فأما الذهب والوَرِق فلم يكن يومئذ‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وفي رواية له‏.‏ قال‏:‏ كنا أكثر أهل المدينة حقلا‏.‏ وكان أحدنا يكري أرضه‏.‏ فيقول‏:‏ هذه القطعة لي‏.‏ وهذه لك، فربما أَخْرجتْ ذه، ولم تخرج ذه‏.‏ فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية له‏:‏فربما أخرجت هذه كذا، ولم تخرج ذه، فنهينا عن ذلك‏.‏ ولم نُنْهَ عن الوَرِق‏.‏ وفي صحيح مسلم عن رافع قال‏:‏ كنا أكثر أهل / الأنصار حقلا‏.‏ وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه‏.‏ فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه،فنهانا عن ذلك‏.‏ وأما الوَرِق فلم ينهنا‏.‏وفي مسلم ـ أيضا ـ عن حنظلة بن قيس قال‏:‏ سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؛ قال‏:‏ لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويهلك هذا،ويسلم هذا‏.‏ فلم يكن للناس كراء إلا هذا؛ فلذلك زجر الناس عنه‏.‏ فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به‏.‏
فهذا رافع بن خديج ـ الذي عليه مدار الحديث ـ يذكر أنه لم يكن لهم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كراء إلا بزرع مكان معين من الحقل‏.‏ وهذا النوع حرام بلا ريب عند الفقهاء قاطبة، وحرموا نظيره في المضاربة‏.‏ فلو اشترط ربح ثوب بعينه لم يجز‏.‏ وهذا الغرر في المشاركات نظير الغرر في المعاوضات‏.‏
وذلك أن الأصل في هذه المعاوضات والمقابلات هو التعادل من الجانبين‏.‏ فإن اشتمل أحدهما على غرر أو ربا دخلها الظلم، فحرمها اللّه الذي حرم الظلم على نفسه، وجعله محرمًا على عباده‏.‏ فإذا كان أحد المتبايعين إذا ملك الثمن وبقي الآخر تحت الخطر، لم يجز؛ ولذلك حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الثمر قبل بدو صلاحه‏.‏/ فكذلك هذا إذا اشترطا لأحد الشريكين مكانًا معينًا خرجا عن موجب الشركة؛ فإن الشركة تقتضي الاشتراك في النماء‏.‏ فإذا انفرد أحدهما بالمعين لم يبق للآخر فيه نصيب، ودخله الخطر ومعني القمار، كما ذكره رافع في قوله‏:‏ فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فيفوز أحدهما ويخيب الآخر‏.‏ وهذا معني القمار‏.‏ وأخبر رافع‏:‏ أنه لم يكن لهم كراء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا‏.‏ وأنه إنما زجر عنه لأجل ما فيه من المخاطرة ومعني القمار، وأن النهي إنما انصرف إلى ذلك الكراء المعهود، لا إلى ما تكون فيه الأجرة مضمونة في الذمة‏.‏ وسأشير ـ إن شاء اللّه ـ إلى مثل ذلك في نهيه عن بيع الثمار حتي يبدو صلاحها، ورافع أعلم بنهى النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ عن أي شيء وقع‏؟‏ وهذا ـ واللّه أعلم ـ هو الذي انتهي عنه عبد اللّه بن عمر، فإنه قال لما حدثه رافع‏:‏ قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وبشيء من التبن‏.‏ فبين أنهم كانوا يكرون بزرع مكان معين، وكان ابن عمر يفعله؛ لأنهم كانوا يفعلونه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتي بلغه النهي‏.‏
يدل على ذلك‏:‏ أن ابن عمر كان يروي حديث معاملة خيبر دائماً ويفتي به، ويفتي بالمزارعة على الأرض البيضاء، وأهل بيته ـ أيضا ـ بعد حديث رافع‏.‏ فروي حرب الكرماني قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم / بن راهويه، حدثنا معتمر بن سليمان، سمعت كليب بن وائل قال‏:‏ أتيت ابن عمر، فقلت‏:‏ أتاني رجل له أرض وماء، وليس له بذر ولا بقر، فأخذتها بالنصف، فبذرت فيها بذري، وعملت فيها ببقري فناصفته‏؟‏ قال‏:‏ حسن‏.‏ وقال‏:‏ حدثنا ابن أخي حزم،حدثنا يحيي بن سعيد، حدثنا سعيد بن عبــيد، سمعت سالم بن عبد الله ـ وأتاه رجل ـ فقال‏:‏الرجل منا ينطلق إلى الرجل فيقول‏:‏أجيء ببذري وبقري وأعمل أرضك،فما أخرج اللّه منه فلك منه كذا،ولي منه كذا‏؟‏ قال‏:‏لا بأس به،ونحن نصنعه‏.‏
وهكذا أخبر أقارب رافع‏.‏ ففي البخاري عن رافع قال‏:‏ حدثني عمومتي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء أو بشيء يستثنيه صاحب الأرض‏.‏ فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏.‏ فقيل لرافع‏:‏ فكيف بالدينار والدرهم‏؟‏ فقال‏:‏ ليس به بأس بالدينار والدرهم‏.‏ وكان الذي نهى عنه من ذلك ما لو نظر فيه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجزه، لما فيه من المخاطرة‏.‏ وعن أسيد بن ظهير قال‏:‏ كان أحدنا إذا استغني عن أرضه أعطاها بالثلث والربع والنصف‏.‏ ويشترط ثلاث جداول والقُصَارَة وما سقي الربيع‏.‏ وكان العيش إذ ذاك شديداً، وكان يعمل فيها بالحديد وما شاء اللّه، ويصيب منها منفعة‏.‏ فأتانا رافع بن خديج فقال‏:‏ إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم / ينهاكم عن الحقل، ويقول‏:‏ ‏(‏من استغني عن أرضه فليمنحها أخاه أو ليدع‏)‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏ وروي أبو داود قول النبي صلى الله عليه وسلم ، زاد أحمد ‏(‏وينهاكم عن المزابنة‏.‏ والمزابنة‏:‏ أن يكون الرجل له المال العظيم من النخل، فيأتيه الرجل فيقول‏:‏ أخذته بكذا وكذا وَسَقاً من تمر‏.‏ والقُصَارَة‏:‏ ما سقط من السنبل‏)‏‏.‏
وهكذا أخبر سعد بن أبي وقاص، وجابر‏.‏ فأخبر سعد‏:‏ أن أصحاب المزارع في زمان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي من الزرع، وما سعد بالماء مما حول البئر‏.‏ فجاؤوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك، وقال‏:‏ ‏(‏اكروا بالذهب والفضة‏)‏ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي‏.‏ فهذا صريح في الإذن بالكراء بالذهب والفضة، وأن النهي إنما كان عن اشتراط زرع مكان معين‏.‏ وعن جابر ـ رضي اللّه عنه ـ قال‏:‏ كنا نخابر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بنصيب من القِصْرِي ومن كذا‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، أو فليدعها‏)‏ رواه مسلم‏.‏
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رووا عنه النهي قد أخبروا بالصورة التي نهى عنها، والعلة التي نهى من أجلها‏.‏ وإذا / كان قد جاء في بعض طرق الحديث‏:‏ أنه نهى عن كراء المزارع مطلقا، فالتعريف للكراء المعهود بينهم‏.‏ وإذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا تكروا المزارع‏)‏ فإنما أراد الكراء الذي يعـرفونه، كما فهموه من كلامه، وهم أعلم بمقصوده‏.‏ وكما جاء مفسراً عنه‏:‏ أنه رخص في غير ذلك الكراء‏.‏ ومما يشبه ذلك ما قرن به النهي من المزابنة ونحوها‏.‏ واللفظ ـ وإن كان في نفسه مطلقاً ـ فإنه إذا كان خطابا لمعين في مثل الجواب عن سؤال، أو عقب حكاية حال ونحو ذلك، فإنه كثيراً ما يكون مقيداً بمثل حال المخاطب‏.‏ كما لو قال المريض للطبيب‏:‏ إن به حرارة‏.‏ قال له‏:‏ لا تأكل الدسم‏.‏ فإنه يعلم أن النهي مقيد بتلك الحال‏.‏
وذلك أن اللفظ المطلق إذا كان له مسمي معهود، أو حال يقتضيه، انصرف اليه‏.‏ وإن كان نكرة، كالمتبايعين إذا قال أحدهما‏:‏ بعتك بعشرة دراهم، فإنها مطلقة في اللفظ، ثم لا ينصرف إلا إلى المعهود من الدراهم‏.‏ فإذا كان المخاطبون لا يتعارفون بينهم لفظ ‏[‏الكراء‏]‏ إلا لذلك الذي كانوا يفعلونه، ثم خوطبوا به، لم ينصرف إلا إلى ما يعرفونه‏.‏ وكان ذلك من باب التخصيص العرفي، كلفظ ‏[‏الدابة‏]‏ إذا كان معروفا بينهم أنه الفرس، أو ذوات الحافر‏.‏ فقال‏:‏ لا تأتني بدابة، لم ينصرف هذا المطلق إلا إلى ذلك‏.‏ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان مقيداً /بالعرف والسؤال وقد تقدم ما في الصحيحين عن رافع بن خديج، وعن ظهير بن رافع؛ قال‏:‏ دعاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ما تصنعون بمحَاقِلِكم‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ نؤاجرها بما على الربيع، وعلى الأوسق من التمر والشعير‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏لا تفعلوا‏.‏ ازْرَعوها أو أَزْرِعوها، أو أمسكوها‏)‏‏.‏
فقد صرح بأن النهي وقع عما كانوا يفعلونه، وأما المزارعة المحضة، فلم يتناولها النهي، ولا ذكرها رافع وغيره فيما يجوز من الكراء؛ لأنها ـ واللّه أعلم ـ عندهم جنس آخر غير الكراء المعتاد؛ فإن الكراء اسم لما وجب فيه أجرة معلومة، إما عَيْن، وإما دَيْن‏.‏ فإن كان دينا في الذمة مضموناً فهو جائز‏.‏ وكذلك إن كان عينا من غير الزرع، وأما إن كان عينا من الزرع لم يجز‏.‏
فأما المزارعة بجزء شائع من جميع الزرع فليس هو الكراء المطلق،بل هو شركة محضة؛ إذ ليس جعل العامل مكتريا للأرض بجزء من الزرع بأولي من جعل المالك مكتريا للعامل بالجزء الآخر،وإن كان من الناس من يسمي هذا كراء أيضا‏.‏فإنما هو كراء بالمعني العام الذي تقدم بيانه‏.‏ فأما الكراء الخاص الذي تكلم به رافع وغيره فلا، ولهذا السبب بين رافع أحد نوعي الكراء الجائز،وبين النوع الآخر الذي نهوا عنه، ولم يتعرض للشركة؛ لأنها جنس آخر‏.‏
/بقي أن يقال‏:‏ فقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، وإلا فليمسكها‏)‏ أمر ـ إذا لم يفعل واحداً من الزرع والمنيحة ـ أن يمسكها‏.‏ وذلك يقتضي المنع من المؤاجرة ومن المزارعة كما تقدم‏.‏
فيقال‏:‏ الأمر بهذا أمر ندب واستحباب، لا أمر إيجاب، أو كان أمر إيجاب في الابتداء لينزجروا عما اعتادوه من الكراء الفاسد‏.‏ وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن لحوم الحمر الأهلية، قال في الآنية التي كانوا يطبخونها فيها‏:‏ ‏(‏أهريقوا ما فيها،/ واكسروها‏)‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم في آنية أهل الكتاب ـ حين سأله عنها أبو ثعلبة الخشني ـ‏:‏ ‏(‏إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا غيرها فارْحَضُوها بالماء‏)‏؛ وذلك لأن النفوس إذا اعتادت المعصية فقد لا تنفطم عنها انفطاما جيدًا إلا بترك ما يقاربها من المباح‏.‏ كما قيل‏:‏ ‏(‏لا يبلغ العبد حقيقة التقوي حتي يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال‏)‏ كما أنها أحياناً لا تترك المعصية إلا بتدريج، لا تتركها جملة‏.‏
فهذا يقع تارة، وهذا يقع تارة؛ ولهذا يوجد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لمن خشي منه النفرة عن الطاعة، الرخصة له في أشياء يستغني بها عن المحرم، ولمن وثق بإيمانه وصبره، النهي عن بعض ما يستحب له تركه مبالغة في فعل الأفضل؛ ولهذا يستحب لمن وثق بإيمانه / وصبره ـ من فعل المستحبات البدنية والمالية، كالخروج عن جميع ماله، مثل أبي بكر الصديق ـ مالا يستحب لمن لم يكن حاله كذلك، كالرجل الذي جاءه ببيضة من ذهب، فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏يذهب أحدكم فيخرج ماله، ثم يجلس كَلاًّ على الناس‏)‏‏.‏
يدل على ذلك‏:‏ ما قدمناه من رواية مسلم الصحيحة، عن ثابت بن الضحاك‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة‏.‏ وأمر بالمؤاجرة‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏لا بأس بها‏)‏، وما ذكرناه من رواية سعد ابن أبي وقاص‏:‏ أنه نهاهم أن يكروا بزرع موضع معين، وقال‏:‏ ‏(‏اكروا بالذهب والفضة‏)‏ وكذلك فهمته الصحابة‏.‏ فإن رافع بن خديج قد روي ذلك وأخبر أنه‏:‏ لا بأس بكرائها بالذهب والفضة‏.‏
وكذلك فقهاء الصحابة؛ كزيد بن ثابت، وابن عباس‏.‏ ففي الصحيحين عن عمرو بن دينار‏.‏ قال‏:‏ قلت لطاوس‏:‏ لو تركت المخابرة‏؟‏ فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها‏.‏ قال‏:‏ أي عمرو، إني أعطيهم وأعينهم، وإن أعلمهم أخبرني ـ يعني ابن عباس ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنه؛ ولكن قال‏:‏ ‏(‏إن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجًا معلوما‏)‏‏.‏ وعن ابن عباس ـ أيضا ـ‏:‏ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة،/ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض‏.‏ رواه مسلم مجملاً والترمذي‏.‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ وقد أخبر طاوس عن ابن عباس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دعاهم إلى الأفضل، وهو التبرع، قال‏:‏ وأنا أعينهم وأعطيهم‏.‏ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق الذي منه واجب، وهو ترك الربا والغرر‏.‏ ومنه مستحب، كالعارية والقرض‏.‏
ولهذا لما كان التبرع بالأرض بلا أجرة من باب الإحسان كان المسلم أحق به، فقال‏:‏ ‏(‏لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوما‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، أو ليمسكها‏)‏ فكان الأخ هو الممنوح‏.‏ ولما كان أهل الكتاب ليسوا من الإخوان عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يمنحهم، لا سيما والتبرع إنما يكون عن فضل غني‏.‏ فمن كان محتاجا إلى منفعة أرضه لم يستحب له المنيحة، كما كان المسلمون محتاجين إلى منفعة أرض خيبر، وكما كان الأنصار محتاجين في أول الإسلام إلى أرضهم، حيث عاملوا عليها المهاجرين‏.‏ وقد توجب الشريعة التبرع عند الحاجة، كما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفَّت؛ ليطعموا الجياع؛ لأن إطعامهم واجب‏.‏ فلما كان المسلمون محتاجين إلى منفعة الأرض وأصحابها أغنياء عنها نهاهم عن المعاوضة / ليجودوا بالتبرع، ولم يأمرهم بالتبرع عينا، كما نهاهم عن الادخار‏.‏ فإن من نهى عن الانتفاع بماله جاد ببذله؛ إذ لا يترك بطالا، وقد ينهى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الأئمة عن بعض أنواع المباح في بعض الأحوال؛ لما في ذلك من منفعة المنهي، كما نهاهم في بعض المغازي‏.‏‏.‏‏.‏ وأما ما رواه جابر من نهيه صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، فهذه هي المخابرة التي نهى عنها‏.‏ واللام لتعريف العهد‏.‏ ولم تكن المخابرة عندهم إلا ذلك‏.‏
يبين ذلك ما في الصحيح عن ابن عمر قال‏:‏ كنا لا نري بالخبر بأساً حتي كان عام أول‏.‏ فزعم رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فتركناه من أجله‏.‏ فأخبر ابن عمر أن رافعاً روي النهي عن الخبر‏.‏ وقد تقدم معني حديث رافع‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ الخِبر ـ بكسر الخاء ـ بمعني المخابرة‏.‏ والمخابرة‏:‏ المزارعة بالنصف والثلث والربع، وأقل وأكثر‏.‏ وكان أبو عبيد يقول‏:‏ لهذا سمي الأكَّارُ خبيراً؛ لأنه يخابر على الأرض، والمخابرة‏:‏ هي المؤَاكَرة‏.‏
وقد قال بعضهم‏:‏ أصل هذا من خيبر؛ لأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقرها في أيديهم على النصف، فقيل‏:‏ خابرهم، أي عاملهم في خيبر‏.‏ وليس هذا بشيء؛ فإن معاملته بخيبر لم ينه عنها قط، بل فعلها الصحابة في حياته وبعد موته‏.‏ وإنما روي حديث المخابرة رافع بن خديج، /وجابر‏.‏ وقد فسرا ما كانوا يفعلونه‏.‏ والخبير‏:‏ هو الفلاح، سمي بذلك؛ لأنه يخبر الأرض‏.‏
وقد ذهب طائفة من الفقهاء إلى الفرق بين المخابرة والمزارعة‏.‏ فقالوا‏:‏ ‏[‏المخابرة‏]‏ هي المعاملة على أن يكون البذر من العامل، و‏[‏المزارعة‏]‏ على أن يكون البذر من المالك‏.‏ قالوا‏:‏ والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة، لا المزارعة‏.‏
وهذا ـ أيضا ـ ضعيف فإنا قد ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما في الصحيح من أنه‏:‏ نهى عن المزارعة كما نهى عن المخابر، وكما نهى عن كراء الأرض‏.‏ وهذه الألفاظ في أصل اللغة عامة لموضع نهيه وغير موضع نهيه؛ وإنما اختصت بما يفعلونه لأجل التخصيص العرفي لفظاً وفعلا، ولأجل القرينة اللفظية، وهي لام العهد وسؤال السائل، وإلا فقد نقل أهل اللغة أن المخابرة‏:‏ هي المزارعة، والاشتقاق يدل على ذلك‏.‏

عدد المشاهدات *:
345287
عدد مرات التنزيل *:
248629
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : ربح من اتجر بمال غيره بغير إذنه
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  ربح من اتجر بمال غيره بغير إذنه
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  ربح من اتجر بمال غيره بغير إذنه  لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1