اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الخميس 10 شوال 1445 هجرية
????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

يفقهه

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد الثالث والثلاثون
كتــــــاب الطلاق
باب طلاق السنة وطلاق البدعة
فصل مختصر فيما ‏يحل من الطلاق ويحرم‏ ـ ب ـ
مجموع فتاوى ابن تيمية

وطائفة من العلماء تقول لمن لم يجعل الثلاث المجموعة إلا واحدة‏:‏ أنتم خالفتم عمر، وقد استقر الأمر على التزام ذلك في زمن عمر، وبعضهم يجعل ذلك إجماعًا، فيقول لهم‏:‏ أنتم خالفتم عمر في الأمر المشهور عنه الذي اتفق عليه الصحابة، بل وفي الأمر الذي معه فيه الكتاب والسنة، فإن منكم من يجوز التحليل‏.‏ وقد ثبت عن عمر أنه قال‏:‏ لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما‏.‏ وقد اتفق الصحابة على النهي عنه، مثل عثمان، وعلى، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وغيره، ولا يعرف عن أحد من الصحابة أنه أعاد المرأة إلى زوجها بنكاح تحليل‏.‏ وعمر وسائر الصحابة معهم الكتاب /والسنة كلعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل و المحلل له، وقد خالفهم من خالفهم في ذلك اجتهادًا، والله يرضى عن جميع علماء المسلمين‏.‏
وأيضًا، فقد ثبت عن عمر أنه كان يقول في الخلية والبرية ونحو ذلك‏:‏ إنها طلقة رجعية‏.‏ وأكثرهم يخالفون عمر في ذلك‏.‏ وقد ثبت عن عمر أنه خير المفقود إذا رجع فوجد امرأته قد تزوجت، خيره بين امرأته وبين المهر‏.‏ وهذا ـ أيضًا ـ معروف عن غيره من الصحابة، كعثمان، وعلى، وذكره أحمد عن ثمانية من الصحابة، وقال‏:‏ إلى أي شيء يذهب الذي يخالف هؤلاء‏؟‏ ‏!‏ ومع هذا، فأكثرهم يخالفون عمر وسائر الصحابة في ذلك، ومنهم من ينقض حكم من حكم به‏.‏ وعمر والصحابة جعلوا الأرض المفتوحة عنوة، كأرض الشام، ومصر، والعراق، وخراسان، والمغرب، فيء ا للمسلمين، ولم يقسم عمر ولا عثمان أرضًا فتحها عنوة، ولم يستطب عمر أنفس جميع الغانمين في هذه الأرضين، وإن ظن بعض العلماء أنهم استطابوا أنفسهم في السواد، بل طلب منهم بلال والزبير وغيرهما قسمة أرض العنوة فلم يجبهم، ومع هذا فطائفة منهم يخالف عمر والصحابة في مثل هذا الأمر العظيم الذي استقر الأمر عليه ـ من زمنهم، بل ينقض حكم من حكم بحكمهم ـ أيضًا ـ فأبو بكر وعمر وعثمان وعلى لم يخمسوا قط مال فيء ولا خمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا جعلوا خمس الغنيمة خمسة أقسام متساوية، ومع هذا، فكثير منهم يخالف ذلك‏.‏ ونظائر هذا متعددة‏.‏
/والأصل الذي اتفق عليه علماء المسلمين، أن ما تنازعوا فيه وجب رده إلى الله والرسول، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأولى الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏، ولا يجوز لأحد أن يظن بالصحابة أنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعوا على خلاف شريعته، بل هذا من أقوال أهل الإلحاد‏.‏ ولا يجوز دعوي نسخ ما شرعه الرسول بإجماع أحد بعده، كما يظن طائفة من الغالطين، بل كل ما أجمع المسلمون عليه فلا يكون إلا موافقًا لما جاء به الرسول، لا مخالفًا له، بل كل نص منسوخ بإجماع الأمة فمع الأمة النص الناسخ له، تحفظ الأمة النص الناسخ كما تحفظ النص المنسوخ، وحفظ الناسخ أهم عندها وأوجب عليها من حفظ المنسوخ، ويمنع أن يكون عمر والصحابة معه أجمعوا على خلاف نص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يجتهد الواحد وينازعه غيره، وهذا موجود في مسائل كثيرة، هذا منها ـ كما بسط في موضع غير هذا‏.‏
ولهذا لما رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن المبتوتة لها السكنى والنفقة فظن أن القرآن يدل عليه نازعه أكثر الصحابة، فمنهم من قال‏:‏ لها السكنى فقط، ومنهم من قال‏:‏ لا نفقة لها ولا سكني‏.‏ وكان من هؤلاء ابن عباس وجابر وفاطمة بنت قيس، وهي التي روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ليس لك نفقة ولا سكني‏)‏، فلما احتجوا عليها بحجة عمر، وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأولى الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏‏[‏الطلاق‏:‏ 1‏]‏، قالت هي وغيرها من الصحابة ـ كابن عباس وجابر وغيرهما ـ هذا في الرجعية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا‏}‏، فأي أمر يحدث بعد الثلاث‏؟‏ ‏!‏ وفقهاء الحديث كأحمد بن حنبل في ظاهر مذهبه وغيره من فقهاء الحديث مع فاطمة بنت قيس‏.‏
وكذلك ـ أيضًا ـ في الطلاق لما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 1‏]‏، قال غير واحد من الصحابة والتابعين والعلماء هذا يدل على أن الطلاق الذي ذكره الله هو الطلاق الرجعي؛ فإنه لو شرع إيقاع الثلاث عليه لكان المطلق يندم إذا فعل ذلك، ولا سبيل إلى رجعتها، فيحصل له ضرر بذلك، والله أمر العباد بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم؛ ولهذا قال ـ تعالى ـ أيضًا ـ بعد ذلك‏:‏ ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 2‏]‏، وهذا إنما يكون في الطلاق الرجعي، لا يكون في الثلاث، ولا في البائن‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 2‏]‏، فأمر بالإشهاد على الرجعة، والإشهاد عليها مأمور به باتفاق الأمة، قيل‏:‏ أمر إيجاب، وقيل‏:‏ أمر استحباب‏.‏
وقد ظن بعض الناس أن الإشهاد هو الطلاق، وظن أن الطلاق الذي لا يشهد عليه لا يقع‏.‏ وهذا خلاف الإجماع، وخلاف الكتاب والسنة، ولم يقل أحد من العلماء المشهورين به، فإن الطلاق أذن فيه أولاً، ولم يأمر فيه /بالإشهاد، وإنما أمر بالإشهاد حين قال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏، والمراد هنا بالمفارقة تخلية سبيلها إذا قضت العدة، وهذا ليس بطلاق ولا برجعة ولا نكاح‏.‏ والإشهاد في هذا باتفاق المسلمين، فعلم أن الإشهاد إنما هو على الرجعة‏.‏ ومن حكمة ذلك أنه قد يطلقها ويرتجعها، فيزين له الشيطان كتمان ذلك حتي يطلقها بعد ذلك طلاقا محرما، ولا يدري أحد، فتكون معه حراما، فأمر الله أن يشهد على الرجعة ليظهر أنه قد وقعت به طلقة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من وجد اللقطة أن يشهد عليها؛ لئلا يزين الشيطان كتمان اللقطة، وهذا بخلاف الطلاق فإنه إذا طلقها ولم يراجعها بل خلي سبيلها، فإنه يظهر للناس أنها ليست امرأته، بل هي مطلقة، بخلاف ما إذا بقيت زوجة عنده فإنه لا يدري الناس أطلقها أم لم يطلقها‏.‏
وأما النكاح فلابد من التمييز بينه وبين السفاح واتخاذ الأخدان، كما أمر الله تعالى؛ ولهذا مضت السنة بإعلانه، فلا يجوز أن يكون كالسفاح مكتوما، لكن‏:‏ هل الواجب مجرد الإشهاد أو مجرد الإعلان وإن لم يكن إشهاد، أو يكفي أيهما كان‏؟‏ هذا فيه نزاع بين العلماء، كما قد ذكر في موضعه‏.‏
وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 2، 3‏]‏، وهذه الآية عامة في كل من يتق الله‏.‏ وسياق الآية يدل على أن التقوي مرادة من هذا النص العام، فمن اتقي الله في الطلاق فطلق كما /أمر الله ـ تعالى ـ جعل الله له مخرجا مما ضاق على غيره، ومن يتعد حدود الله فيفعل ما حرم الله عليه فقد ظلم نفسه، ومن كان جاهلا بتحريم طلاق البدعة، فلم يعلم أن الطلاق في الحيض محرم، أو أن جمع الثلاث محرم، فهذا إذا عرف التحريم وتاب صار ممن اتقي الله فاستحق أن يجعل الله له مخرجا‏.‏ ومن كان يعلم أن ذلك حرام، وفعل المحرم وهو يعتقد أنها تحرم عليه، ولم يكن عنده إلا من يفتيه بأنها تحرم عليه، فإنه يعاقب عقوبة بقدر ظلمه، كمعاقبة أهل السبت بمنع الحيتان أن تأتيهم، فإنه ممن لم يتق الله فعوقب بالضيق‏.‏ وإن هداه الله فعرفه الحق، وألهمه التوبة، وتاب، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وحينئذ فقد دخل فيمن يتقي الله، فيستحق أن يجعل الله له فرجا ومخرجا، فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمـة، ونبي الملحمة‏.‏ فكل من تاب فله فرج في شرعه، بخلاف شرع من قبلنا فإن التائب منهم كان يعاقب بعقوبات كقتل أنفسهم، وغير ذلك؛ ولهذا كان ابن عباس إذا سئل عمن طلق امرأته ثلاثا يقول له‏:‏ لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا‏.‏ وكان تارة يوافق عمر في الإلزام بذلك للمكثرين من فعل البدعة المحرمة عليهم، مع علمهم بأنها محرمة‏.‏ وروي عنه أنه كان تارة لا يلزم إلا واحدة‏.‏ وكان ابن مسعود يغضب على أهل هذه البدعة، ويقول‏:‏ أيها الناس من أتي الأمر على وجهه فقد تبين له؛ وإلا فوالله ما لنا طاقة بكل ما تحدثون‏.‏
/ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ولا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا على ‏[‏نكاح تحليل‏]‏ ظاهر تعرفه الشهود والمرأة والأولياء ولم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه الراشدين أنهم أعادوا المرأة على زوجها بنكاح تحليل، فإنهم إنما كانوا يطلقون في الغالب طلاق السنة‏.‏
ولم يكونوا يحلفون بالطلاق؛ ولهذا لم ينقل عن الصحابة نقل خاص في الحلف، وإنما نقل عنهم الكلام في إيقاع الطلاق لا في الحلف به‏.‏ والفرق ظاهر بين الطلاق وبين الحلف به، كما يعرف الفرق بين النذر وبين الحلف بالنذر، فإذا كان الرجل يطلب من الله حاجة فقال‏:‏ إن شفي الله مرضي، أو قضي ديني، أو خلصني من هذه الشدة، فلله على أن اتصدق بألف درهم‏.‏ أو أصوم شهرًا، أو أعتق رقبة، فهذا تعليق نذر يجب عليه الوفاء به بالكتاب والسنة والإجماع‏.‏ وإذا علق النذر على وجه اليمين فقال‏:‏ إن سافرت معكم، إن زوجت فلانا، أن أضرب فلانا‏.‏ إن لم أسافر من عندكم، فعلى الحج‏.‏ أو‏:‏ فمالي صدقة‏.‏ أو‏:‏ فعلى عتق‏.‏ فهذا عند الصحابة وجمهور العلماء هو حالف بالنذر، ليس بناذر، فإذا لم يف بما التزمه أجزأه كفارة يمين، وكذلك أفتى الصحابة فيمن قال‏:‏ إن فعلت كذا فكل مملوك لي حر‏.‏ أنه يمين يجزيه فيها كفارة اليمين، وكذلك قال كثير من التابعين في هذا كله لما أحدث الحجاج بن يوسف تحليف الناس بأيمان البيعة ـ وهو التحليف بالطلاق، والعتاق، والتحليف باسم الله، وصدقة المال‏.‏ وقيل‏:‏ كان فيها التحليف بالحج ـ /تكلم حينئذ التابعون ومن بعدهم في هذه الأيمان، وتكلموا في بعضها على ذلك‏.‏ فمنهم من قال‏:‏ إذا حنث بها لزمه ما التزمه‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ لا يلزمه إلا الطلاق، والعتاق‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ بل هذا جنس أيمان أهل الشرك، لا يلزم بها شيء‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ بل هي من أيمان المسلمين يلزم فيها ما يلزم في سائر أيمان المسلمين‏.‏ واتبع هؤلاء ما نقل في هذا الجنس عن الصحابة، وما دل عليه الكتاب والسنة، كما بسط في موضع آخر‏.‏
والمقصود هنا‏:‏ أنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين لم تكن امرأة ترد إلى زوجها بنكاح تحليل، وكان إنما يفعل سرا؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه‏]‏، ‏[‏ولعن المحلل، والمحلل له‏]‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ ولعن صلى الله عليه وسلم في الربا‏:‏ الآخذ، والمعطي، والشاهدين، والكاتب؛ لأنه دين يكتب ويشهد عليه، ولعن في التحليل‏:‏ المحلل، والمحلل له، ولم يلعن الشاهدين والكاتب؛ لأنه لم يكن على عهده تكتب الصداقات في كتاب، فإنهم كانوا يجعلون الصداق في العادة العامة قبل الدخول، ولا يبقي دينار في ذمة الزوج، ولا يحتاج إلى كتاب وشهود، وكان المحلل يكتم ذلك هو والزوج المحلل له‏.‏ والمرأة والأولياء والشهود لا يدرون بذلك‏.‏ ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له؛ إذ كانوا هم الذين فعلوا المحرم، دون هؤلاء‏.‏ والتحليل لم يكونوا يحتاجون إليه في الأمر الغالب؛ إذ كان الرجل إنما يقع منه الطلاق الثلاث إذا طلق بعد رجعة أو عقد فلا يندم بعد الثلاث إلا نادر من الناس، وكان /يكون ذلك بعد عصيانه وتعديه لحدود الله فيستحق العقوبة، فيلعن من يقصد تحليل المرأة له، ويلعن هؤلاء ـ أيضًا ـ لأنهما تعاونا على الإثم والعدوان‏.‏
فلما حدث الحلف بالطلاق واعتقد كثير من الفقهاء‏.‏ أن الحانث يلزمه ما ألزمه نفسه، ولا تجزيه كفارة يمين، واعتقد كثير منهم أن الطلاق المحرم يلزم، واعتقد كثير منهم أن جمع الثلاث ليس بمحرم، واعتقد كثير منهم أن طلاق السكران يقع، واعتقد كثير منهم أن طلاق المكره يقع‏.‏ وكان بعض هذه الأقوال مما تنازع فيه الصحابة، وبعضها مما قيل بعدهم، كثر اعتقاد الناس لوقوع الطلاق، مع ما يقع من الضرر العظيم والفساد في الدين والدنيا بمفارقة الرجل امرأته، فصار الملزمون بالطلاق في هذه المواضع المتنازع فيها حزبين‏.‏
حزبا اتبعوا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في تحريم التحليل، فحرموا هذا مع تحريمهم لما لم يحرمه الرسول صلى الله عليه وسلم من تلك الصور، فصار في قولهم من الأغلال والآصار والحرج العظيم المفضي إلى مفاسد عظيمة في الدين والدنيا أمور‏.‏ منها‏:‏ ردة بعض الناس عن الإسلام لما أفتى بلزوم ما التزمه‏.‏ ومنها سفك الدم المعصوم‏.‏ ومنها زوال العقل‏.‏ ومنها العداوة بين الناس‏.‏ ومنها تنقيص شريعة الإسلام، إلى كثير من الآثام، إلى غير ذلك من الأمور العظام‏.‏
وحزبا رأوا أن يزيلوا ذلك الحرج العظيم بأنواع من الحيل التي بها تعود المرأة إلى زوجها‏.‏
/وكان مما أحدث أولاً نكاح التحليل‏.‏ ورأي طائفة من العلماء أن فاعله يثاب؛ لما رأي في ذلك من إزالة تلك المفاسد بإعادة المرأة إلى زوجها، وكان هذا حيلة في جميع الصور لرفع وقوع الطلاق، ثم أحدث في الأيمان حيل أخري‏.‏ فأحدث أولاً الاحتيال في لفظ اليمين، ثم أحدث الاحتيال بخلع اليمين، ثم أحدث الاحتيال بدور الطلاق، ثم أحدث الاحتيال بطلب إفساد النكاح‏.‏ وقد أنكر جمهور السلف والعلماء وأئمتهم هذه الحيل وأمثالها، ورأوا أن في ذلك إبطال حكمة الشريعة، وإبطال حقائق الأيمان المودعة في آيات الله، وجعل ذلك من جنس المخادعة والاستهزاء بآيات الله، حتي قال أيوب السختياني في مثل هؤلاء‏:‏ يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه، لكان أهون على، ثم تسلط الكفار والمنافقون بهذه الأمور على القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلوا ذلك من أعظم ما يحتجون به على من آمن به ونصره وعزره، ومن أعظم ما يصدون به عن سبيل الله ويمنعون من أراد الإيمان به، ومن أعظم ما يمتنع الواحد منهم به عن الإيمان، كما أخبر من آمن منهم بذلك عن نفسه، وذكر أنه كان يتبين له محاسن الإسلام إلا ما كان من جنس التحليل فإنه الذي لا يجد فيه ما يشفي الغليل، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عليهمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 156، 157‏]‏، فوصف رسوله بأنه يأمر بكل معروف، وينهى عن كل منكر، ويحل كل طيب ويحرم كل خبيث ويضع الآصار والأغلال التي كانت على من قبله‏.‏
وكل من خالف ما جاء به من الكتاب والحكمة من الأقوال المرجوحة، فهي من الأقوال المبتدعة التي أحسن أحوالها أن تكون من الشرع المنسوخ الذي رفعه الله بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، إن كان قائله من أفضل الأمة وأجلها، وهو في ذلك القول مجتهد قد اتقي الله ما استطاع، وهو مثاب على اجتهاده وتقواه، مغفور له خطؤه، فلا يلزم الرسول قول قاله غيره باجتهاده‏.‏ وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر‏)‏‏.‏ وثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول لمن بعثه أميرًا على سرية وجيش‏:‏ ‏(‏وإذا حاصرت أهل حصن فسألوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك‏)‏‏.‏ وهذا يوافق ما ثبت في الصحيح أن سعد بن معاذ لما حكمه النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم، فنزلوا على حكمه، فأنزلهم على حكم سعد ابن معاذ لما طلب منهم حلفا وهم من الأنصار أن يحسن إليهم، وكان سعد بن معاذ خلاف ما يظن به بعض قومه، كان مقدما لرضي الله ورسوله على /رضي قومه؛ ولهذا لما مات اهتز له عرش الرحمن فرحا بقدوم روحه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى حريمهم، وتقسم أموالهم‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الملك‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات‏)‏‏.‏ والعلماء ورثة الأنبياء، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 78، 79‏]‏، فهذان نبيان كريمان حكما في حكومة واحدة، فخص الله أحدهما بفهمها مع ثنائه على كل منهما بأنه آتاه حكما وعلما فكذلك العلماء المجتهدون ـ رضي الله عنهم ـ للمصيب منهم أجران‏.‏ وللآخر أجر‏.‏ وكل منهم مطيع لله بحسب استطاعته، ولا يكلفه الله ما عجز عن علمه‏.‏ ومع هذا فلا يلزم الرسول صلى الله عليه وسلم قول غيره، ولا يلزم ما جاء به من الشريعة شيء من الأقوال المحدثة، لا سيما إن كانت شنيعة‏.‏
ولهذا كان الصحابة إذا تكلموا باجتهادهم ينزهون شرع الرسول صلى الله عليه وسلم من خطئهم وخطأ غيرهم، كما قال عبد الله بن مسعود في المفوضة‏:‏ أقول فيها برأيي‏.‏ فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه‏.‏ وكذلك روي عن الصديق في الكلالة، وكذلك عن عمر في بعض الأمور، مع أنهم كانوا يصيبون فيما يقولونه على هذا الوجه حتي يوجد النص موافقا لاجتهادهم، كما وافق النص اجتهاد ابن مسعود وغيره، /وإنما كانوا أعلم بالله ورسوله، وبما يجب من تعظيم شرع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضيفوا إليه إلا ما علموه منه، وما أخطؤوا فيه ـ وإن كانوا مجتهدين ـ قالوا‏:‏ إن الله ورسوله بريئان منه‏.‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 54‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏فَإِنَّمَا عليه مَا حُمِّلَ وَعليكُم مَّا حُمِّلْتُمْ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 54‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 6‏]‏‏.‏
ولهذا تجد المسائل التي تنازعت فيها الأمة على أقوال؛ وإنما القول الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم واحد منها، وسائرها إذا كان أهلها من أهل الاجتهاد أهل العلم والدين، فهم مطيعون لله ورسوله، مأجورون غير مأزورين، كما إذا خفيت جهة القبلة في السفر اجتهد كل قوم فصلوا إلى جهة من الجهات الأربع، فإن الكعبة ليست إلا في جهة واحدة منها وسائر المصلين مأجورين على صلاتهم حيث اتقوا ما استطاعوا‏.‏
ومن آيات ما بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا ذكر مع غيره على الوجه المبين ظهر النور والهدي على ما بعث به، وعلم أن القول الآخر دونه؛ فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 88‏]‏، وهذا التحدي /والتعجيز‏.‏ ثابت في لفظه ونظمه ومعناه، كما هو مذكور في غير هذا الموضع‏.‏
ومن أمثال ذلك‏:‏ ما تنازع المسلمون فيه من مسائل الطلاق، فإنك تجد الأقوال فيه ‏[‏ثلاثة‏]‏‏:‏ قول فيه آصار وأغلال، وقول فيه خداع واحتيال‏.‏ وقول فيه علم واعتدال‏.‏ وقول يتضمن نوعا من الظلم والاضطراب‏.‏ وقول يتضمن نوعا من الظلم والفاحشة والعار، وقول يتضمن سبيل المهاجرين والأنصار‏.‏ وتجدهم في مسائل الأيمان بالنذر، والطلاق والعتاق، على ثلاثة أقوال‏:‏ قول يسقط أيمان المسلمين، ويجعلها بمنزلة أيمان المشركين‏.‏ وقول يجعل الأيمان اللازمة ليس فيها كفارة ولا تحلة، كما كان شرع غير أهل القبلة‏.‏ وقول يقيم حرمة أيمان أهل التوحيد والإيمان، ويفرق بينهما وبين أيمان أهل الشرك والأوثان، ويجعل فيها من الكفارة والتحليل ما جاء به النص والتنزيل واختص به أهل القرآن دون أهل التوراة والإنجيل‏.‏ وهذا هو الشرع الذي جاء به خاتم المرسلين، وإمام المتقين، وأفضل الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‏.

عدد المشاهدات *:
356433
عدد مرات التنزيل *:
249986
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

مجموع فتاوى ابن تيمية

روابط تنزيل : فصل مختصر فيما ‏يحل من الطلاق ويحرم‏ ـ ب ـ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  فصل مختصر فيما ‏يحل من الطلاق ويحرم‏ ـ ب ـ
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصل مختصر فيما ‏يحل من الطلاق ويحرم‏ ـ ب ـ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
مجموع فتاوى ابن تيمية


@designer
1