بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و كفى ، و أشهد أن لا اله الا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبد الله و رسوله صلى الله عليه و على اله و صحبه الغر المحجلين ـ

أما بعد :ـ

هذه جملة من الأداب و الأحكام المتعلقة بالزواج التي جمعتها ليستفيد منها الشاب و الشابة اذا ما هداهم الله تعالى لاستكمال شطر دينهما بالزواج ـ

ان مما لا شك فيه أن الله تعالى خلق الخلق و جعل لكل صنف منهم سننا يتعايشون بها في ما بينهم ،وانه خلق الذكر و الأنثى ليؤنس الواحد منهما الأخر و تلك هي الحكمة التي أوجد الله أمنا حواء عليها السلام لأبينا ادم في جنة الرضوان كما قال تعالى :ـ

و من اياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة ، ان في ذلك لأيات لقوم يتفكرون

-سورة الروم الاية21ـ

و الزواج سنة الأنبياء عليهم السلام التي أكد النبي صلى الله عليه و سلم عليها بقوله كما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :ـ

جاء ثلاثة رهط الى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يسألون عن عبادته صلى الله عليه و سلم فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها فقالوا :ـ

و أين نحن من رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر !ـ

فقال أحدهم : أما أنا فاني أصلي الليل أبدا

و قال أخر : أنا أصوم الدهر و لا أفطر

و قال أخر : أنا أعتزل النساء ، و لا أتزوج أبد

فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهم فقال : ـ

ــ أنتم الذين قلتم كذا و كذا ، أما و الله !!اني لأخشاكم لله و أتقاكم له ، و لكني أصوم و أفطر ، و أصلي و أرقد ، و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ـ

فهذا الحديث النبوي الشريف تضمن أحكاما عدة لكن الذي يهمنا في موضوعنا هو أن من سنة المصطفى عليه الصلاة و السلام الزواج و من رغب عنها فليس في سنة النبي صلى الله عليه و سلم في شيء و ينبغي عليه اذن تصحيح المفاهيم فان الزواج خير و نعمة و العزوبة شر و فتنة و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم :ـ

شراركم عزابكم ـ

و أرشد عليه الصلاة و السلام الشباب الى الزواج في سن مبكرة فقال:ـ

يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصرو أحصن للفرج

فالحكمة من الزواج المبكر أن لا يفتن الشاب أو الشابة بشهوات النفس الأمارة بالسوء من زينة الحياة الدنيا الداعية الى الزنا- عياذ بالله- فالنظرة سهم مسموم من سهام ابليس من بلي به هام في دنيا الأحلام و عادت عليه تلك الأماني بالهم و الحسرة و قد وعد الله تعالى من غض بصره بسعادة القلب كما أخبرنا نبي الله صلى الله عليه و سلم في الحديث القدسي :قال الله تعالى :ـ

النظرة سهم من سهام ابليس من تركه من مخافتي أبدلته ايمانا يجد حلاوته في قلبه

فينبغي على المرء أن يغض بصره لكي يذوق حلاوة الإيمان و ليعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم بين لعلي رضي الله عنه الحكم في النظر فقال عليه الصلاة و السلام:ـ

النظرة الأولى لك و الثانية عليك

ان الاسلام يمنعنا من مقدمات الزنى سدا للذريعة و لذا قال العلماء : أن كل ما أدى الى الحرام فهو محرم ، فالنظر الى العورات حرام و الخلوة بين الجنسين في غير محرم حرام...استنادا الى قول الله تعالى :ـ

يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين انما يأمركم بالسوء و الفحشاء و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون ـ

لقد قيل قديما : نظرة فابتسامة فموعد فكلام ...ـ

و ذكر ان عابدا من بين اسرائيل أوقع به الشيطان في ظلمات الكفر باستدراجه من صومعة العبادة الى رذيلة الزنى ثم الردة،

ذكره وهب بن منبه في تفسير قوله تعالى :كمثل الشيطان اذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني أخاف الله رب العالمين ـ كتاب الكبائر

قال الإمام علي كرم الله وجهه :اذا ما رأيت ربك - سبحانه ـ يتابع عليك نعمه و أنت تعصيه فاحذره فانما هو استدراج و تلا قوله تعالى : ـ

و الذين كذبوا باياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و أملي لهم ان كيدي متين

فلا يخدعن أحدكم نفسه فربنا لا يخدع بل الله خادع الذين في قلوبهم مرض الذين يخادعون الله و هو خادعهم :ـ

و اذا ما خلوت الدهر يوما ــــ فلا تقل خلوت و لكن قل علي رقيب

و لا تحسبن اليوم أسرع ذاهب ـــ و ان غدا للناظرين قريب

قال الله تعالى :ـ

و قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ، ذلك أزكى لهم ، ان الله خبير بما يصنعون -30- و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها ....الأية 31 من سورة النور

هذه الأية الكريمة تضمنت عدة احكام و هي :ـ

1 غض البصر

2 احصان الفرج

3 ارتداء الحجاب

4 المحارم

5 الحياء

6 التوبة

فتبين أن الله تعالى قرن غض البصر باحصان الفرج كما قرن في ايات عدة بين التوحيد و بر الوالدين ثم بين الصلاة و الزكاة ،فمن اراد اذن ان يغض بصره فعليه بالإحصان يعني الزواج و ان لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء بمعنى وقاية كما أرشدنا اليه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله:ـ

يا معشر الشباب !من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر ،و أحصن للفرج ، و من لم يستطع فعليه بالصوم فانه له و جاءـ

فالباءة هي الإستطاعة و الإستطاعة هي القدرة على المؤونة و النفقة و القدرة الجنسية ، قال بن القيم رحمه الله في تفسير الحديث:ـ

قوله :ـ من استطاع منكم الباءة فليتزوج ـ فسرت الباءة بالوطء، و فسرت بمؤن النكاح ، و لدينا في التفسير الأول اذ المعنى على هذا مؤن الباءة ثم قال :ـ و من لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء ـ فأرشدهم الى الدواء الشافي الذي وضع لهذا الأمر ، ثم نقلهم عنه عند العجز الى البدل و هو الصوم فانه يكسر شهوة النفس و يضيق عليها مجاري الشهوة ، فان هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء و كيفيته ، فكمية الغذاء و كيفيته يزيدان في توليدها ، و الصوم يضيق عليها ذلك فيصير بمنزلة وجاء الفحل، و قل من أدمن الصوم الا و ماتت شهوته أو ضعفت جدا و الصوم المشروع يعدلها ، و اعتدالها حسنة بين سيئتين ، ووسط بين طرفين مذمومين و هما العنة و الغلمة الشديدة المفرطة، و كلاهما خارج عن الإعتدال و كلا طرفي القصد ذميم و خير الأمور أوساطها، و الأخلاق الفاضلة كلها وسط بين طرفين ، و جعلبينهما افراط و تفريط و كذلك الدين المستقيم وسط بين انحرافين ، وكذلك السنة و سط بين بدعتين، و كذلك الصواب في مسائل النزاع اذا شئت أن تحظى به فهو القول الوسط بين الطرفين المتباعدين ، و ليس هذا موضع تفصيل -هذه الجملة ـ فانا لم نقصد له و بالله التوفيق ـ ا.ه

-ا.ه:انتهى قوله رحمه الله

قال الله تعالى: و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله

قال بن كثير رحمه الله :هذا أمرمن الله تعالى لمن لا يجد تزويجا بالتعفف عن الحرام ،كما قال صلى الله عليه و سلم :ـ

ـ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر ، و أحصن للفرج ، و من لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء. الحديث .و هذه الأية -من سورة النور 33 - مطلقة و التي في سورة النساء أخص منها و هي قوله تعالى : ـ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، و الله أعلم بايمانكم ، بعضكم من بعض ، فانكحوهن باذن اهلهن و أتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات و لا متخذات أخدان ، فاذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، ذلك لمن خش العنت منكم ، و أن تصبروا خير لكم ، و الله غفور رحيم ، يريد الله ليبين لكم سنن الذين من قبلكم و يتوب عليكم ، و الله عليم حكيم ـ 26 ـ

أي صبركم عن تزوج الإماء خير لكم لأن الولد يجيء رقيقا و ـ الله غفور رحيم ـ قال عكرمة في قوله : : ـ و ليستعفف الذي لا يجدون نكاحا ـ قال : هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ، فان كانت له امرأة فليذهب اليها و ليقض حاجته منها ، و ان لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السماوات و الأرض حتى يغنيه الله ـ ا.ه

كتبه الزاهد الورع