اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
????? ??????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ??????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ??????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ??????? ????????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

ما دام

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
سيرة الخلفاء
سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي
المبحث الثاني سياسة عثمان في التعامل مع الفتنة
الكتب العلمية
الفصل السابع مقتل عثمان بن عفان

المبحث الثاني سياسة عثمان في التعامل مع الفتنة

من خلال النصوص التاريخية في العديد من المصادر يتضح أن عثمان قد واجه الفتنة بعدد من الأساليب وهي:

أولاً: رأي بعض الصحابة بأن يرسل عثمان لجان تفتيش وتحقيق:

اهتز محمد بن مسلمة وطلحة بن عبيد الله وغيرهما لما سمعوا من الإشاعات التي بثها عبد الله بن سبأ في الأمصار، فدخلوا على أمير المؤمنين عثمان على عجل وقالوا: يا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله، ما جاءني إلا السلامة. قالوا: فإنا قد أتانا، وأخبروه بما تناهى لسمعهم عن الفتنة التي تموج بها الأمصار الإسلامية، وعن الهجوم الشرس على ولاته في كل صقع، وقال: أنتم شركائي وشهود المؤمنين، فأشيروا عليَّ؟ قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بخبرهم([1])، فقام عثمان بإجراء سديد عظيم، وتخير نفرا من الصحابة لا يختلف اثنان في صدقهم وتقواهم وورعهم، ونصحهم، اختار محمد بن مسلمة الذي كان عمر يأتمنه على محاسبة ولاته والتفتيش عليهم في الأقاليم، وأسامة بن زيد حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه، وأمير الجيش الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بإنفاذه في آخر عهده بالدنيا، فقال: أنفذوا بعث أسامة. وعمار بن ياسر السبَّاق إلى الإسلام، والمجاهد العظيم، وعبد الله بن عمر، التقي الفقيه الورع. فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة إلى البصرة، وعمار إلى مصر، وابن عمر إلى الشام، وكانوا على رأس جماعة، فأرسلهم إلى تلك الأمصار الكبيرة، فمضوا جميعا إلى عملهم الشاق المضني الخطير العظيم، ثم عادوا جميعا عدا عمار بن ياسر الذي استبطأ في مصر ثم عاد، وقدموا بين يدي أمير المؤمنين ما شاهدوه وسمعوه وسألوا الناس عنه.([2]) وكان ما جاء به هؤلاء واحد في كل الأمصار، وقالوا: أيها الناس، ما أنكرنا شيئا، ولا أنكر المسلمون إلا أن أمراءهم يقسطون بينهم، ويقومون عليهم.([3]) وأما ما روي من اتهام عمار بن ياسر بالتأليب على عثمان فإن أسانيد الروايات التي تتضمن هذه التهمة ضعيفة، لا تخلو من علة، كما أن في متونها نكارة([4]).

رجع مفتشو الأمصار، واتضح بأنه ليس هناك ما يوجب على الخليفة أن يعزل واحدا من ولاته، والناس في عافية وعدل وخير ورحمة واطمئنان، وأمير المؤمنين يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، ويرعى حق الله وحق الرعية، وما يثار هو شكوك وأراجيف وأكاذيب يبثها الحاقدون في الظلمات لكي لا يعرف مصدرها، ولكن الخليفة البار الراشد العظيم لم يكتفِ بهذا، بل كتب إلى أهل الأمصار([5]).

ثانيًا: كتب إلى أهل الأمصار كتابا شاملا بمثابة إعلان عام لكل المسلمين:

أما بعد: فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم، وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع على شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم، وقد رفع إلىَّ أهل المدينة أن أقواما يشتمون، وآخرون يضربون، فيا من ضُرب سرا، وشُتم سرا، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان، مني أو من عمالي، أو تصدقوا فإن الله
يجزي المتصدقين، فلما قرئ في الأمصار أبكى الناس، ودعوا لعثمان، وقالوا: إن الأمة لتمخَّض بِشَرّ ([6]).

فهل تريد الدنيا أن تسمع بحزم وعزم أعلى وأشمخ من هذا الحزم والعزم من رجل زادت سنه على اثنتين وثمانين سنة، وهو في هذه الفورة والقوة من المتابعة والتنقيب عن المظالم؟ أم هل يريد الناس أن يروا عدلا أرفع وأسمى من هذا العدل والإنصاف، حتى إن حق أمير المؤمنين الشخصي متروك لرعيته، ما دام حق الله قائما وحدوده مرعية؟ نعم عند عثمان، الذي لم يقف عند ذلك، ولم يكتفِ بأن أرسل أمناءه للتفتيش عن أحوال الناس، وكتابته من ثم إلى أهل الأمصار بأن يأتوا موسم الحج ليرفعوا شكاتهم -إن كانت لهم- أمام جموع الحجيج، ولم يكتف عثمان بذلك كله؛ بل بعث إلى عمال الأمصار أنفسهم ليواجهوا الناس عندما يرفعون مظالمهم -إن وجدت- ثم ليسألهم أمير المؤمنين عما يتناقله الناس، وليشيروا عليه بالرأي الناصح السديد الرشيد([7]).

ثالثـًا: مشورة عثمان لولاة الأمصار:

بعث عثمان إلى ولاة الأمصار واستدعاهم على عجل؛ عبد الله بن عامر، ومعاوية ابن أبي سفيان، وعبد الله بن سعد، وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص -وهم من الولاة السابقين-، وكانت جلسة مغلقة وخطيرة جرت فيها الأبحاث التالية التي تقرر خطة العمل الجديدة على ضوء الأخبار المتناهية إلى المدينة عاصمة دولة الإسلام.([8]) قال عثمان: ويحكم ما هذه الشكاية؟ وما هذه الإذاعة؟ إني والله لخائف أن يكون مصدوقا عليكم وما يعصب([9]) هذا إلا بي، فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك الخبر عن القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا، ولا نعلم لهذا الأمر أصلا، وما كنت لتأخذ به أحد فيضمنك على شيء، وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها، ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا عليَّ، فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر، فيلقى به غير ذي معرفة، فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم.

وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم، فإنه خير من أن تدعهم. قال معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير، والرجلان أعلم بناحيتهما، قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب، قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم، وتراضيت عنهم، وزدتهم عما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبك فتشد في موضع الشدة, وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعا اللين. وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به عليَّ قد سمعت، ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة، إلا في حدود الله تعالى ذكره، التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سده شيء فرفق، فذاك والله ليفتحن، وليست لأحد علىَّ حجة حق، وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا، ولا نفسي، ووالله إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها، كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تُدْهنوا فيها([10]).

لقد خالف عثمان رأي أخيه عمرو باتباع الشدة، ولم يخالفه في اتباع سنة صاحبيه، فرحى الفتنة دائرة، ولا تعالج بالعنف؛ لأن العنف هو الذي يدير هذه الرحى، ولن يرضى أمير المؤمنين أن يكون صاحبها (فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها)، وكان واضحا صريحا فيما لا هوادة فيه وهي حدود الله، فلا مداهنة فيها وما غير ذلك؛ فالرفق أولى والمغفرة أفضل، ولا بد من تأدية الحقوق كلها.([11])

وقد جاءت روايات بسند فيه ضعيف ومجهولون تشوه العلاقة بين عمرو بن العاص وعثمان رضي الله عنهما، وساهمت روايات ساقطة في مسخ صورة عمرو بن العاص t، وتحويل علاقته بعثمان إلى علاقة فاتك خطط لقتل أميره، ثم عاد بانتهازية ليطالب بدمه.([12]) وهذه الرواية ضعيفة ومرفوضة عند أهل التاريخ وأهل الحديث.([13]) وقد جاء في رواية بسند فيها ضعفاء ومجهولون أيضا بأن عمرو بن العاص قال: يا عثمان: إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية فقلت وقالوا, وزغت وزاغوا، فاعتدل أو اعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما وامض قدما.([14]) وجاء في نفس الرواية أن عبد الله بن عامر قال: أرى لك أن تجمرهم في هذه البعوث حتى يهم كل رجل منهم قمل فروة رأسه ودبر دابته، وتشغلهم عن الإرجاف بك([15]).

إن عثمان منع الولاة من التنكيل بمثيري الشغب (حبسهم أو قتلهم)، وقرر أن يعاملهم بالحسنى واللين([16]), وطلب من عماله أن يعودوا إلى أعمالهم، وفق ما أعلنه لهم من أسلوب مواجهة الفتنة التي كان كل بصير يرى أنها قادمة([17]).

1- اقتراحان لمعاوية يرفضهما عثمان رضي الله عنهما:

قبل أن يتوجه معاوية بن أبي سفيان إلى الشام، أتى إلى عثمان وقال له: يا أمير المؤمنين, انطلق معي إلى الشام، قبل أن يهجم عليك من الأمور والأحداث ما لا قبل لك بها.

قال عثمان: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ولو كان فيه قطع خيط عنقي. قال له معاوية: إذن أبعث لك جيشا من أهل الشام، يقيم في المدينة، لمواجهة الأخطار المتوقعة ليدافع عنك وعن أهل المدينة، قال عثمان: لا، حتى لا أقتِّر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم، ولا أضيق على أهل الهجرة والنصرة. قال له معاوية: يا أمير المؤمنين, والله لتغتالن أو لتغزين، قال عثمان: حسبي الله ونعم الوكيل([18]).

لكأنما معاوية كان يعلم أن وراء تلك الفتن والشائعات يدا خبيثة تخطط لهدف مرهوب ليس دونه ضرب الخليفة والخلافة، لكن عثمان الخليفة الراشد كان له رأي آخر، فهو يريد أن يسير مع هؤلاء لآخر الطريق حتى لا يترك لهم حجة عند الله وعند الناس، فيفضحهم في الدنيا والآخرة، وتلك مصابرة عظيمة من هذا الإمام العادل العظيم([19]).

2- عثمان يخترق صفوف المتآمرين بعد مجيئهم للمدينة:

كان أمير المؤمنين عثمان من اليقظة والوعي ما يجعله يحقق بقلم استخباراته مع هؤلاء المتآمرين، حيث بث في صفوفهم رجلين من المسلمين كانا قد عوقبا من الخليفة ليطمئن المتآمرون إليهم، فقد أرسل عثمان رجلين، مخزوميا وزهريا فقال: انظرا ما يريدون واعلما علمهم، وكانا مما نالهما من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة، قالوا: ثلاثة نفر، فقالا: هل إلا؟ قالوا: لا، قالا: فكيف تريدون أن تصنعوا؟ وشرح هؤلاء القوم للرجلين أبعاد المؤامرة كاملة والخطة المقترحة، وقالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قررناه بها فلم يخرج ولم يتب، ثم نخرج كأنا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه وكانت إياها، فرجعا إلى عثمان فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا. فأرسل إلى الكوفيين والبصريين ونادى: الصلاة جامعة، وهم عنده في أصل المنبر، فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحاطوا بهم، فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم خبر القوم، وحقيقة ما يريدون من تأكيد الشبهات عليه تمهيدا للخروج عليه وخلعه أو قتله، وقام الرجلان اللذان حادثا السبئيين، فشهدا بما أخبروهما به، فقال المسلمون جميعا في داخل المسجد: اقتلهم يا أمير المؤمنين، لأنهم يريدون الخروج على أمير المؤمنين، وتفريق كلمة المسلمين. ورفض عثمان دعوة الصحابة لقتلهم؛ لأنهم مسلمون في الظاهر، من رعيته، ولا يرضى أن يقال: عثمان يقتل مسلمين مخالفين له، ولذلك رد عثمان بن عفان على تلك الدعوة قائلا: لا نقتلهم، بل نعفو ونصفح، ونبصرهم بجهدنا، ولا نقتل أحدا من المسلمين، إلا إذا ارتكب حدًّا يوجب القتل، أو أظهر ردة وكفرا([20]).

رابعًا: إقامة الحجة على المتمردين:

ثم دعا عثمان القوم السبئيين إلى عرض ما عندهم من شبهات وإظهار ما يرونه من أخطاء وتجاوزات ومخالفات وقع هو فيها، وكانت جلسة مصارحة ومكاشفة في المسجد على مرأى ومسمع من الصحابة والمسلمين، فتكلم السبئيون وعرضوا الأخطاء التي ارتكبها عثمان - على حد زعمهم-, وقام عثمان بالبيان والإيضاح وقدم حججه وأدلته فيما فعل، والمسلمون المنصفون يسمعون هذه المصارحة والمحاسبة والمكاشفة، وأورد عثمان ما أخذوه عليه، ثم بين حقيقة الأمر ودافع عن حسن فعله، وأشهد معه الصحابة الجالسين في المسجد([21]).

1- قال: قالوا: إني أتممت الصلاة في السفر، وما أتمها قبلي رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر، لقد أتممت الصلاة لما سافرت من المدينة إلى مكة، ومكة بلد فيها أهلي فأنا مقيم بين أهلي ولست مسافرا، أكذلك؟ فقال الصحابة: اللهم نعم.

2- وقالوا: إني حميت حمى، وضيَّقت على المسلمين، وجعلت أرضا واسعة خاصة لرعي إبلي، ولقد كان الحمى قبلي لإبل الصدقة والجهاد، حيث جعل الحمى كل من رسول الله وأبو بكر وعمر، وأنا زدت فيه لما كثرت إبل الصدقة والجهاد، ثم لم نمنع ماشية فقراء المسلمين من الرعي في ذلك الحمى، وما حميت لماشيتي، ولما وليت الخلافة كنت من أكثر المسلمين إبلا وغنما، وقد أنفقتها كلها، ومالي الآن ثاغية ولا راغية، ولم يبق لي إلا بعيران، خصصتهما لحجي، أكذلك؟ فقال الصحابة: اللهم نعم.

3- وقالوا: إني أبقيت نسخة واحدة من المصاحف، وحرقت ما سواها، وجمعت الناس على مصحف واحد، ألا إن القرآن كلام الله، من عند الله، وهو واحد، ولم أفعل سوى أن جمعت المسلمين على القرآن، ونهيتهم عن الاختلاف فيه، وأنا في فعلي هذا تابع لما فعله أبو بكر، لما جمع القرآن، أكذلك؟ فقال الصحابة: اللهم نعم.

4- وقالوا: إني رددت الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاه إلى الطائف، إن الحكم بن العاص مكي، وليس مدنيا، وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف، وأعاده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعدما رضي عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيره إلى الطائف، وهو الذي رده وأعاده، أكذلك؟ فقال الصحابة: اللهم نعم.

5- وقالوا: إني استعملت الأحداث ووليت الشباب صغار السن، ولم أولِّ إلا رجلا فاضلا محتملا مرضيا، وهؤلاء الناس أهل عملهم فسلوهم عنهم. ولقد ولى الذين من قبلي من هم أحدث منهم وأصغر منهم سنا، ولقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وهو أصغر ممن وليته، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قالوا لي، أكذلك؟ قال الصحابة: اللهم نعم، إن هؤلاء الناس يعيبون للناس ما لا يفسرونه ولا يوضحونه.

6- وقالوا: إني أعطيت عبد الله بن سعد بن أبي السرح ما أفاء الله به، وإنما أعطيته خمس الخمس -وكان مئة ألف- لما فتح أفريقية، جزاء جهده، وقد قلت له: إن فتح الله عليك أفريقية فلك خمس الخمس من الغنيمة نفلا، وقد فعلها قبلي أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ومع ذلك قال لي الجنود المجاهدون: إنا نكره أن تعطيه خمس الخمس ولا يحق لهم الاعتراض والرفض، فأخذت خمس الخمس من ابن سعد ورددته على الجنود، وبذلك لم يأخذ ابن سعد شيئا، أكذلك؟ قال الصحابة: اللهم نعم.

7- وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبي لأهل بيتي فإنه لم يحملني على أن أميل معهم إلى جور وظلم الآخرين، بل أحمل الحقوق عليهم وآخذ الحق منهم، وأما إعطاؤهم فإني أعطيهم من مالي الخاص، وليس من أموال المسلمين، لأني لا أستحل أموال المسلمين، ولا لأحد من الناس. ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي، وفني عمري، وجعلت مالي الذي لي لأهلي وأقاربي، قال الملحدون ما قالوا؟ وإني والله ما أخذت من مصر من أمصار المسلمين مالا ولا فضلا، ولقد رددت على تلك الأمصار الأموال، ولم يحضروا إلى المدينة إلا الأخماس من الغنائم، ولقد تولى المسلمون تقسيم تلك الأخماس، ووضعها في أهلها، ووالله ما أخذت من تلك الأخماس وغيرها فِلْسًا فما فوقه، وإنني لا آكل إلا من مالي، ولا أعطي أهلي إلا من مالي.

8- وقالوا: إني أعطيت الأرض المفتوحة لرجال معينين، وإن هذه الأرضين المفتوحة قد اشترك في فتحها المهاجرون والأنصار وغيرهم من المجاهدين، ولما قسمت هذه الأراضي على المجاهدين الفاتحين، منهم من أقام بها واستقر فيها، ومنهم من رجع إلى أهله في المدينة أو غيرها، وبقيت تلك الأرض ملكا له، وقد باع بعضهم تلك الأراضي، وكان ثمنها في أيديهم.

وبذلك أورد عثمان أهم الاعتراضات التي أثيرت عليه، وتولي توضيحها، وبيان وجه الحق فيها.([22]) وترى من ذلك الدفاع المحكم الذي دافع به عثمان بن عفان t, وساجل الصحابة فيه وذاكرهم إياه صورة لما كان يجري من النقد المر العنيف له وما كان يشيعه السبئيون من قالة السوء، وما يعملون على ترويجه من باطل مزيف، فقد أجمل ذكر الاعتراضات التي كانوا يعترضون بها عليه، وبيَّن وجه الحق فيما يفعل، وأنه كان على بينة من أمره وعلى حجة من دينه، ولكنهم مغرضون لا يريدون رشادا، ولا يبغون سدادا، فمجادلته لهم مجادلة رجل مخلص مع آخر يتربص به الدوائر ويتسقط هفواته لينفذ أغراضا, ويلقى في نفوس الناس عنه إعراضا، ومن كان شأنه كذلك لا تقنعه الحجة، ولا يهديه الدليل، ومن يضلل الله فلا هادي له([23]).

وقد سمع كلامه وتوضيحه زعماء أهل الفتنة الذين بجانب المنبر، كما سمعه الصحابة الكرام ومن معهم من المسلمين الصالحين، وتأثر المسلمون بكلام عثمان وبيانه وتوضيحه وصدقوه فيما قال، وازدادوا له حبًّا، وأما السبئيون دعاة الفتنة والفرقة، فلم يتأثروا بذلك ولم يتراجعوا؛ لأنهم لم يكونوا باحثين عن حق، ولا راغبين في خير، إنما كان هدفهم الفتنة، والكيد للإسلام والمسلمين. وقد أشار الصحابة والمسلمون على عثمان بقتل أولئك السبئيين (زعماء الفتنة) بسبب ما ظهر من كذبهم وتزويرهم، وحقدهم بل أصروا عليه في قتلهم، ليتخلص المسلمون من شرهم، وتستقر بلاد المسلمين ويقضي على الفتنة التي يثيرها هؤلاء وأتباعهم، ولكن عثمان كان له رأي آخر وتحليل مغاير، فآثر أن يتركهم، ورأي عدم قتلهم محاولة منه لتأخير وقوع الفتنة، ولم يتخذ عثمان ضد السبئيين القادمين من مصر والكوفة والبصرة أي إجراء مع علمه بما يخططون ويريدون، وتركهم يغادرون المدينة ويعودون إلى بلادهم([24]).

خامسًا: الاستجابة لبعض مطالبهم:

استجاب لبعض مطالبهم في خلع بعض الولاة وتولية من طلبوا توليته، هذه الأساليب كافية في المعالجة وإقامة الحق والعدل لو كانت الأمور تسير في وضعها الطبيعي، لكن الواقع أن وراء هذه الشكاوى والإثارات أمورًا خفية، وأحقادا جاهلية تسعى لإثارة الفتنة بين المسلمين وتفريق وحدتهم، ووقوع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من استشهاد عثمان t([25]).

سادسًا: ضوابط التعامل مع الفتن عند عثمان t:

إن المتأمل في هدي عثمان في تعامله مع الفتنة التي وقعت في عهده يمكنه أن يستنبط بعض الضوابط التي تعين المسلم في مواجهته للفتن، ومن هذه الضوابط:

1- التثبت: فقد أرسل لجان تفتيش للأمصار واستمع لأهلها، واستطاع أن يخترق جماعة السبئيين ويقف على حقيقة أمرهم، ولم يستعجل في إصداره للأحكام عليهم.

2- لزوم العدل والإنصاف: فقد اتضح هذا الضابط في كتابه للأمصار، وطلب
ممن ادعى أنه شتم أو ضرب من الولاة فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان منه
أو من عماله([26]).

3- الحلم والأناة: ويتضح هذا الضابط في كتابه لأهل الكوفة عندما طلبوا عزل سعيد بن العاص وتعيين أبا موسى الأشعري وقد جاء في هذا الكتاب: «.. والله لأفرشنكم عرضي، ولأبذلن لكم صبري، ولاستصلحنَّكم بجهدي، فلا تدعوا شيئا أحببتموه لا يعصى الله فيه إلا سألتموه، ولا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منه».([27])

4- الحرص على ما يجمِّع، ونبذ ما يفرق بين المسلمين: ولذلك جمع الناس على مصحف واحد كما مر معنا، وعندما عرض عليه الأشتر النخعي عروضا ثلاثة -يأتي تفصيلها بإذن الله- قال عثمان: «... وإن قتلتموني فلم أرتكب ما يوجب قتلي، والله لئن قتلتموني فإنكم لا تتحابون بعدي أبدا، ولا تصلون جميعا بعدي أبدا، ولا تقاتلون العدو جميعا بعدي».([28])

5- لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلام: من خلال سيرة عثمان تتضح صفة قلة كلامه إلا فيما ينفع من علم أو نصح أو توجيه أو رد اتهامات باطلة، وقد كان كثير الصمت قليل الكلام.

6- استشارة العلماء الربانيين: فقد كان يستشير علماء الصحابة كعلي، وطلحة، والزبير، ومحمد بن مسلمة، وابن عمر، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم جميعا، فالعلماء هم صمام الأمان، والملجأ في الخطوب المدلهمة والفتن المظلمة؛ لأنهم أبصر الناس بحالها، وأعرفهم بمآلها، فمن التجأ إليهم وجد الفهم السليم والنظر الصحيح، والموقف الشرعي الواضح([29]).

7- الاسترشاد بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن: إن منهج عثمان أثناء الفتنة ومسلكه مع المتمردين الذين خرجوا عليه لم تفرضه عليه مجريات الأحداث ولا ضغط الواقع؛ بل كان منهجا نابعا من مشكاة النبوة؛ حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر والاحتساب وعدم القتال حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وقد وفَّى ذو النورين بوعده وعهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم طوال أيام خلافته حتى خر شهيدا مضرجًا بدمائه الطاهرة الزكية([30]).

وقد قال محب الدين الخطيب: الذي يدل عليه مجموع الأخبار عن موقف عثمان من أمر الدفاع عنه أو الاستسلام للأقدار، هو أنه كان يكره الفتنة، ويتقي الله في دماء المسلمين، إلا أنه صار في آخر الأمر يود لو كانت لديه قوة راجحة يهابها البغاة، فيرتدعون عن بغيهم، بلا حاجة إلى استعمال السلاح للوصول إلى هذه النتيجة، وقبل أن تبلغ الأمور مبلغها عرض عليه معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام تكون رهن إشارته فأبى أن يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم، وكان لا يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن يتكالبوا على دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه، فلما تذاءب عليه البغاة واعتقد أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزافا، عزم على كل من له عليهم سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عن مزالق العنف. والأخبار بذلك مستفيضة في مصادر أوليائه وشانئيه، على أنه لو ظهرت في الميدان قوة منظمة ذات هيبة تقف في وجوه الثوار، وتضع حدا لغطرستهم وجاهليتهم، لارتاح عثمان لذلك وسر به، مع ما هو مطمئن إليه من أنه لن يموت إلا شهيدا([31]).


([1]) تاريخ الطبري (5/348).

([2]) عثمان بن عفان.. الخليفة الشاكر الصابر، ص210.

([3]) تاريخ الطبري (5/348).

([4]) فتنة مقتل عثمان (1/117).

([5]، 3) تاريخ الطبري (1/349).

([7]) عثمان بن عفان.. الخليفة الشاكر الصابر، ص212.

([8]) معاوية بن أبي سفيان، ص126. (2) يعصب بي: يناط بي.

([10]) تاريخ الطبري (5/351).

([11]) عمرو بن العاص.. الأمير المجاهد، للغضبان، ص447.

([12]، 3) المصدر نفسه، ص448.

([14]، 5) تاريخ الطبري (5/340).

([16]) خلافة عثمان، د.السلمي، ص77.

([17]) الخلفاء الراشدون، للخالدي، ص151.

([18]) تاريخ الطبري، (5/353).

([19]) عثمان بن عفان.. الخليفة الشاكر الصابر، ص214.

([20]) تاريخ الطبري (5/354، 355).

([21]) الخلفاء الراشدون للخالدي، ص154، 155.

([22]) العواصم من القواصم، ص61-111، تاريخ الطبري (5/355، 356)، الخلفاء الراشدون للخالدي، ص158, الفتنة، أحمد عرموش، ص10-14.

([23]) تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة، ص98، 99.

([24]) الخلفاء الراشدون للخالدي، ص158، 159.

([25]) خلافة عثمان للسلمي، ص78. (2) تاريخ الطبري (5/349).

([27]) المصدر نفسه (5/343).

([28]) البداية والنهاية (7/184)

([29]) أحداث وأحاديث فتنة الهرج، ص728. (2) استشهاد عثمان ووقعة الجمل، ص116.

([31]) العواصم من القواصم، ص138.

 

سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي


عدد المشاهدات *:
466033
عدد مرات التنزيل *:
94273
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 02/05/2011 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 02/05/2011

الكتب العلمية

روابط تنزيل : المبحث الثاني سياسة عثمان في التعامل مع الفتنة
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  المبحث الثاني سياسة عثمان  في التعامل مع الفتنة  لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1