قال الشيخ الإمام العالم مفتي الأنام، المجتهد الفقيه الإمام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ـ رحمه الله ورضي عنه:
قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] .
هذا الخطاب يقتضي: أن كل قائم إلى الصلاة فإنه مأمور بما ذكر من الغسل. والمسح. وهو الوضوء.
وذهبت طائفة: إلى أن هذا عام مخصوص.
وذهبت طائفة: إلى أنه يوجب الوضوء على كل من كان متوضئًا وكلا القولين ضعيف.
فأما الأولون: فإن منهم من قال: المراد بهذا: القائم من النوم وهذا معروف عن زيد بن أسلم، ومن وافقه من أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم.
قالوا: الآية أوجبت الوضوء على النائم بهذا، وعلى المتغوط بقوله: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} وعلى لامس النساء بقوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} وهذا هو الحدث المعتاد. وهو الموجب للوضوء عندهم.
ومن هؤلاء من قال: فيها تقديم وتأخير. تقديره: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء.
فيقال: أما تناولها للقائم من النوم المعتاد، فظاهر لفظها يتناوله. وأما كونها مختصة به، بحيث لا تتناول من كان مستيقظًا وقام إلى الصلاة، فهذا ضعيف. بل هي متناولة لهذا لفظًا ومعنى.
وغالب الصلوات يقوم الناس إليها من يقظة، لا من نوم: كالعصر والمغرب والعشاء. وكذلك الظهر في الشتاء، لكن الفجر يقومون إلىها من نوم. وكذلك الظهرفي القائلة. والآية تعم هذا كله.
لكن قد يقال: إذا أمرت الآية القائم من النوم؛ لأجل الريح التي خرجت منه بغير اختياره، فأمرها للقائم الذي خرج منه الريح في اليقظة أولى وأحرى، فتكون ـ على هذا ـ دلالة الآية على اليقظان بطريق تنبيه الخطاب وفحواه. وإن قيل: إن اللفظ عام، يتناول هذا بطريق العموم اللفظي.
فهذان قولان متوجهان. والآية على القولين عامة. وتعم ـ أيضًا ـ القيام إلى النافلة بالليل والنهار، والقيام إلى صلاة الجنازة، كما سنبينه ـ إن شاء الله.
فمتي كانت عامة لهذا كله: فلا وجه لتخصيصها.
وقالت طائفة: تقدير الكلام: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون أو قد أحدثتم. فإن المتوضئ ليس عليه وضوء. وكل هذا عن الشافعي ـ رحمه الله ـ ويوجبه الشافعي في التيمم. فإن ظاهر القرآن يقتضي وجوب الوضوء والتيمم على كل قائم يخالف هذا.
فإن كان قد قال هذا: كان له قولان.
ومن المفسرين من يجعل هذا قول عامة الفقهاء من السلف والخلف؛ لاتفاقهم على الحكم. فيجعل اتفاقهم على هذا الحكم اتفاقًا على الإضمار، كما ذكر أبو الفرج بن الجوزي. قال: وللعلماء في المراد بالآية قولان:
أحدهما: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [المائدة: 6]، فصار الحدث مضمرًا في وجوب الوضوء. وهذا قول سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ والفقهاء.
قال: والثاني، أن الكلام على إطلاقه من غير إضمار، فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة، محدثًا كان أو غير محدث.
وهذا مروي عن عكرمة وابن سيرين.
ونقل عنهم: أن هذا الحكم غير منسوخ. ونقل عن جماعة من العلماء: أن ذلك كان واجبًا بالسنة. وهو ما روي بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد. وقال: (عمدًا فعلته يا عمر).
قلت: أما الحكم ـ وهو أن من توضأ لصلاة صلى بذلك الوضوء صلاة أخرى ـ فهذا قول عامة السلف والخلف: والخلاف في ذلك شاذ. وقد علم بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يوجب الوضوء على من صلى ثم قام إلى صلاة أخرى، فإنه قد ثبت بالتواتر أنه صلى بالمسلمين يوم عرفة الظهر والعصر جميعًا، جمع بهم بين الصلاتين وصلى خلفه ألوف مؤلفة لا يحصيهم إلا الله. ولما سلم من الظهر، صلى بهم العصر، ولم يحدث وضوءًا لا هو ولا أحد، ولا أمر الناس بإحداث وضوء، ولا نقل ذلك أحد، وهذا يدل على أن التجديد لا يستحب مطلقًا.
وهل يستحب التجديد لكل صلاة من الخمس؟ فيه نزاع. وفيه عن أحمد ـ رحمه الله ـ روايتان.
وكذلك ـ أيضًا ـ لما قدم مزدلفة: صلى بهم المغرب والعشاء جمعًا من غير تجديد وضوء العشاء. وهو في الموضعين قد قام هو وهم إلى صلاة بعد صلاة. وأقام لكل صلاة إقامة. وكذلك سائر أحاديث الجمع الثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر، وابن عباس، وأنس ـ رضي الله عنهم. كلها تقتضي: أنه هو صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون خلفه ـ صلوا الثانية من المجموعتين بطهارة الأولى، لم يحدثوا لها وضوءًا.
وكذلك هو صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة وغيرهم أنه كان يتوضأ لصلاة الليل. فيصلي به الفجر مع أنه كان ينام حتى يغط. ويقول: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، فهذا أمر من أصح ما يكون أنه: كان ينام ثم يصلي بذلك الوضوء الذي توضأه للنافلة، يصلي به الفريضة. فكيف يقال: إنه كان يتوضأ لكل صلاة؟
وقد ثبت عنه في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم قدم عليه وفد عبد القيس. فاشتغل بهم عن الركعتين بعد الظهر حتى صلى العصر، ولم يحدث وضوءًا.
وكان يصلي تارة الفريضة ثم النافلة. وتارة النافلة ثم الفريضة. وتارة فريضة ثم فريضة. كل ذلك بوضوء واحد.
وكذلك المسلمون صلوا خلفه في رمضان بالليل بوضوء واحد مرات متعددة.
وكان المسلمون على عهده يتوضؤون ثم يصلون ما لم يحدثوا، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. ولم ينقل عنه ـ لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ـ: أنه أمرهم بالوضوء لكل صلاة.
فالقول باستحباب هذا يحتاج إلى دليل.
وأما القول بوجوبه: فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولإجماع الصحابة. والنقل عن على ـ رضي الله عنه ـ بخلاف ذلك لا يثبت؛ بل الثابت عنه خلافه. وعلى ـ رضي الله عنه ـ أجل من أن يخفى عليه مثل هذا، والكذب على علي كثير مشهور، أكثر منه على غيره.
وأحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ مع سعة علمه بآثار الصحابة والتابعين ـ أنكر أن يكون في هذا نزاع. وقال أحمد بن القاسم: سألت أحمد عمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد، فقال: لا بأس بذلك، إذا لم ينتقض وضوؤه. ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا.
وروى البخاري في صحيحه عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة. قالت: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء، ما لم يحدث. وهذا هو في الصلوات الخمس المفرقة. ولهذا استحب أحمد ذلك في أحد القولين، مع أنه كان أحيانًا يصلى صلوات بوضوء واحد. كما في صحيح مسلم عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح علي خفيه. فقال له عمر: إني رأيتك صنعت شيئًا لم تكن صنعته؟ قال: (عمدًا صنعته يا عمر).
والقرآن ـ أيضًا ـ يدل علي أنه لا يجب علي المتوضئ أن يتوضأ مرة ثانية من وجوه:
أحدها: أنه ـ سبحانه ـ قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]، فقد أمر من جاء من الغائط، ولم يجد الماء، أن يتيمم الصعيد الطيب، فدل علي أن المجيء من الغائط يوجب التيمم. فلو كان الوضوء واجبًا علي من جاء من الغائط ومن لم يجئ، فإن التيمم أولي بالوجوب. فإن كثيرًا من الفقهاء يوجبون التيمم لكل صلاة. وعلي هذا، فلا تأثير للمجيء من الغائط. فإنه إذا قام إلى الصلاة وجب الوضوء أو التيمم، وإن لم يجئ من الغائط. ولو جاء من الغائط، ولم يقم إلى الصلاة، لا يجب عليه وضوء ولا تيمم، فيكون ذكر المجيء من الغائط عبثًا علي قول هؤلاء.
الوجه الثاني: أنه ـ سبحانه ـ خاطب المؤمنين. لأن الناس كلهم يكونون محدثين فإن البول والغائط أمر معتاد لهم، وكل بني آدم محدث. والأصل فيهم: الحدث الأصغر. فإن أحدهم من حين كان طفلاً قد اعتاد ذلك، فلايزال محدثًا، بخلاف الجنابة. فإنها إنما تعرض لهم عند البلوغ. والأصل فيهم: عدم الجنابة. كما أن الأصل فيهم: عدم الطهارة الصغري؛ فلهذا قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}ثم قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} فأمرهم بالطهارة الصغري مطلقًا؛ لأن الأصل: أنهم كلهم محدثون قبل أن يتوضؤوا. ثم قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة: 6]، وليس منهم جنب إلا من أجنب؛ فلهذا فرق ـ سبحانه ـ بين هذا وهذا.
الثالث: أن يقال: الآية اقتضت وجوب الوضوء إذا قام المؤمن إلى الصلاة، فدل علي أن القيام هو السبب الموجب للوضوء. وأنه إذا قام إلى الصلاة صار واجبًا حينئذ وجوبًا مضيقًا. فإذا كان العبد قد توضأ قبل ذلك، فقد أدي هذا الواجب قبل تضيقه. كما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، فدل على أن النداء يوجب السعي إلى الجمعة، وحينئذ يتضيق وقته فلا يجوز أن يشتغل عنه ببيع ولا غيره. فإذا سعى إليها قبل النداء، فقد سابق إلى الخيرات، وسعى قبل تضيق الوقت. فهل يقول عاقل: إن عليه أن يرجع إلى بيته ليسعى عند النداء؟
وكذلك الوضوء: إذا كان المسلم قد توضأ للظهر قبل الزوال، أو للمغرب قبل غروب الشمس، أو للفجر قبل طلوعه، وهو إنما يقوم إلى الصلاة بعد الوقت، فمن قال: إن عليه أن يعيد الوضوء، فهو بمنزلة من يقول: إن عليه أن يعيد السعي إذا أتي الجمعة قبل النداء.
والمسلمون علي عهد نبيهم كانوا يتوضؤون للفجر وغيرها قبل الوقت وكذلك المغرب. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجلها، ويصليها إذا توارت الشمس بالحجاب. وكثير من أصحابه كانت بيوتهم بعيدة من المسجد. فهؤلاء لو لم يتوضؤوا قبل المغرب: لما أدركوا معه أول الصلاة بل قد تفوتهم جميعًا لبعد المواضع. وهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد الغروب، ولا من حضر عنده في المسجد، ولا كان يأمر أحدًا بتجديد الوضوء بعد المغرب. وهذا كله معلوم مقطوع به. وما أعرف في هذا خلافًا ثابتـًا عن الصحابة: أن من توضأ قبل الوقت، عليه أن يعيد الوضوء بعد دخول الوقت. ولا يستحب ـ أيضًا ـ لمثل هذا تجديد وضوء.
وإنما تكلم الفقهاء فيمن صلى بالوضوء الأول: هل يستحب له التجديد؟ وأما من لم يصل به، فلا يستحب له إعادة الوضوء، بل تجديد الوضوء في مثل هذا بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما عليه المسلمون في حياته وبعده إلى هذا الوقت.
فقد تبين أن هذا قبل القيام قد أدى هذا الواجب قبل تضييقه، كالساعي إلى الجمعة قبل النداء، وكمن قضى الدين قبل حلوله؛ ولهذا قال الشافعي وغيره: إن الصبي إذا صلى ثم بلغ لم يعد الصلاة؛ لأنها تلك الصلاة بعينها، سابق إليها قبل وقتها. وهو قول في مذهب أحمد وهذا القول أقوى من إيجاب الإعادة. ومن أوجبها قاسه على الحج، وبينهما فرق. كما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
وهذا الذي ذكرناه في الوضوء هو بعينه في التيمم؛ ولهذا كان قول العلماء: إن التيمم كالوضوء،فهو طهور المسلم ما لم يجد الماء. وإن تيمم قبل الوقت وتيمم للنافلة، فيصلى به الفريضة وغيرها، كما هو قول ابن عباس. وهو مذهب كثير من العلماء ـ أبي حنيفة وغيره ـ وهو أحد القولين عن أحمد.
والقول الآخر ـ وهو التيمم لكل صلاة ـ هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد، وهو قول لم يثبت عن غيره من الصحابة كما قد بسط في موضعه.
فالآية محكمة ولله الحمد. وهي على ما دلت عليه، من أن كل قائم إلى الصلاة فهو مأمور بالوضوء. فإن كان قد توضأ قبل ذلك فقد أحسن وفعل الواجب قبل تضييقه، وسارع إلى الخيرات، كمن سعى إلى الجمعة قبل النداء.
فقد تبين أن الآية ليس فيها إضمار ولا تخصيص، ولا تدل على وجوب الوضوء مرتين. بل دلت على الحكم الثابت بالسنن المتواترة، وهو الذي عليه جماعة المسلمين، وهو وجوب الوضوء على المصلى، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول).
وهذا يوافق الآية الكريمة. فإنه يدل على أنه لابد من الطهور، ومن كان علي وضوء فهو علي طهور، وإنما يحتاج إلى الوضوء من كان محدثًا، كما قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتي يتوضأ)، وهو إذا توضأ ثم أحدث، فقد دلت الآية علي أمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة، وإذا كان قد توضأ، فقد فعل ما أمر به. كقوله: لا تصلى إلا بوضوء. أو لا تصلى حتى تتوضأ ونحو ذلك. مما بين أنه مأمور بالوضوء لجنس الصلاة، الشامل لأنواعها وأعيانها. ليس مأمورًا لكل نوع أو عين بوضوء غير وضوء الآخر. ولا في اللفظ ما يدل على ذلك.
لكن هذا الوجه لا يدل على تقدم الوضوء على الجنس، كمن أسلم فتوضأ قبل الزوال أو الغروب، أو كمن أحدث فتوضأ قبل دخول الوقت، بخلاف الوجه الذي قبله، فإنه يتناول هذا كله.
قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] .
هذا الخطاب يقتضي: أن كل قائم إلى الصلاة فإنه مأمور بما ذكر من الغسل. والمسح. وهو الوضوء.
وذهبت طائفة: إلى أن هذا عام مخصوص.
وذهبت طائفة: إلى أنه يوجب الوضوء على كل من كان متوضئًا وكلا القولين ضعيف.
فأما الأولون: فإن منهم من قال: المراد بهذا: القائم من النوم وهذا معروف عن زيد بن أسلم، ومن وافقه من أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم.
قالوا: الآية أوجبت الوضوء على النائم بهذا، وعلى المتغوط بقوله: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} وعلى لامس النساء بقوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} وهذا هو الحدث المعتاد. وهو الموجب للوضوء عندهم.
ومن هؤلاء من قال: فيها تقديم وتأخير. تقديره: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء.
فيقال: أما تناولها للقائم من النوم المعتاد، فظاهر لفظها يتناوله. وأما كونها مختصة به، بحيث لا تتناول من كان مستيقظًا وقام إلى الصلاة، فهذا ضعيف. بل هي متناولة لهذا لفظًا ومعنى.
وغالب الصلوات يقوم الناس إليها من يقظة، لا من نوم: كالعصر والمغرب والعشاء. وكذلك الظهر في الشتاء، لكن الفجر يقومون إلىها من نوم. وكذلك الظهرفي القائلة. والآية تعم هذا كله.
لكن قد يقال: إذا أمرت الآية القائم من النوم؛ لأجل الريح التي خرجت منه بغير اختياره، فأمرها للقائم الذي خرج منه الريح في اليقظة أولى وأحرى، فتكون ـ على هذا ـ دلالة الآية على اليقظان بطريق تنبيه الخطاب وفحواه. وإن قيل: إن اللفظ عام، يتناول هذا بطريق العموم اللفظي.
فهذان قولان متوجهان. والآية على القولين عامة. وتعم ـ أيضًا ـ القيام إلى النافلة بالليل والنهار، والقيام إلى صلاة الجنازة، كما سنبينه ـ إن شاء الله.
فمتي كانت عامة لهذا كله: فلا وجه لتخصيصها.
وقالت طائفة: تقدير الكلام: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون أو قد أحدثتم. فإن المتوضئ ليس عليه وضوء. وكل هذا عن الشافعي ـ رحمه الله ـ ويوجبه الشافعي في التيمم. فإن ظاهر القرآن يقتضي وجوب الوضوء والتيمم على كل قائم يخالف هذا.
فإن كان قد قال هذا: كان له قولان.
ومن المفسرين من يجعل هذا قول عامة الفقهاء من السلف والخلف؛ لاتفاقهم على الحكم. فيجعل اتفاقهم على هذا الحكم اتفاقًا على الإضمار، كما ذكر أبو الفرج بن الجوزي. قال: وللعلماء في المراد بالآية قولان:
أحدهما: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [المائدة: 6]، فصار الحدث مضمرًا في وجوب الوضوء. وهذا قول سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ والفقهاء.
قال: والثاني، أن الكلام على إطلاقه من غير إضمار، فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة، محدثًا كان أو غير محدث.
وهذا مروي عن عكرمة وابن سيرين.
ونقل عنهم: أن هذا الحكم غير منسوخ. ونقل عن جماعة من العلماء: أن ذلك كان واجبًا بالسنة. وهو ما روي بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد. وقال: (عمدًا فعلته يا عمر).
قلت: أما الحكم ـ وهو أن من توضأ لصلاة صلى بذلك الوضوء صلاة أخرى ـ فهذا قول عامة السلف والخلف: والخلاف في ذلك شاذ. وقد علم بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يوجب الوضوء على من صلى ثم قام إلى صلاة أخرى، فإنه قد ثبت بالتواتر أنه صلى بالمسلمين يوم عرفة الظهر والعصر جميعًا، جمع بهم بين الصلاتين وصلى خلفه ألوف مؤلفة لا يحصيهم إلا الله. ولما سلم من الظهر، صلى بهم العصر، ولم يحدث وضوءًا لا هو ولا أحد، ولا أمر الناس بإحداث وضوء، ولا نقل ذلك أحد، وهذا يدل على أن التجديد لا يستحب مطلقًا.
وهل يستحب التجديد لكل صلاة من الخمس؟ فيه نزاع. وفيه عن أحمد ـ رحمه الله ـ روايتان.
وكذلك ـ أيضًا ـ لما قدم مزدلفة: صلى بهم المغرب والعشاء جمعًا من غير تجديد وضوء العشاء. وهو في الموضعين قد قام هو وهم إلى صلاة بعد صلاة. وأقام لكل صلاة إقامة. وكذلك سائر أحاديث الجمع الثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر، وابن عباس، وأنس ـ رضي الله عنهم. كلها تقتضي: أنه هو صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون خلفه ـ صلوا الثانية من المجموعتين بطهارة الأولى، لم يحدثوا لها وضوءًا.
وكذلك هو صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة وغيرهم أنه كان يتوضأ لصلاة الليل. فيصلي به الفجر مع أنه كان ينام حتى يغط. ويقول: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، فهذا أمر من أصح ما يكون أنه: كان ينام ثم يصلي بذلك الوضوء الذي توضأه للنافلة، يصلي به الفريضة. فكيف يقال: إنه كان يتوضأ لكل صلاة؟
وقد ثبت عنه في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم قدم عليه وفد عبد القيس. فاشتغل بهم عن الركعتين بعد الظهر حتى صلى العصر، ولم يحدث وضوءًا.
وكان يصلي تارة الفريضة ثم النافلة. وتارة النافلة ثم الفريضة. وتارة فريضة ثم فريضة. كل ذلك بوضوء واحد.
وكذلك المسلمون صلوا خلفه في رمضان بالليل بوضوء واحد مرات متعددة.
وكان المسلمون على عهده يتوضؤون ثم يصلون ما لم يحدثوا، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. ولم ينقل عنه ـ لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ـ: أنه أمرهم بالوضوء لكل صلاة.
فالقول باستحباب هذا يحتاج إلى دليل.
وأما القول بوجوبه: فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولإجماع الصحابة. والنقل عن على ـ رضي الله عنه ـ بخلاف ذلك لا يثبت؛ بل الثابت عنه خلافه. وعلى ـ رضي الله عنه ـ أجل من أن يخفى عليه مثل هذا، والكذب على علي كثير مشهور، أكثر منه على غيره.
وأحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ مع سعة علمه بآثار الصحابة والتابعين ـ أنكر أن يكون في هذا نزاع. وقال أحمد بن القاسم: سألت أحمد عمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد، فقال: لا بأس بذلك، إذا لم ينتقض وضوؤه. ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا.
وروى البخاري في صحيحه عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة. قالت: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء، ما لم يحدث. وهذا هو في الصلوات الخمس المفرقة. ولهذا استحب أحمد ذلك في أحد القولين، مع أنه كان أحيانًا يصلى صلوات بوضوء واحد. كما في صحيح مسلم عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح علي خفيه. فقال له عمر: إني رأيتك صنعت شيئًا لم تكن صنعته؟ قال: (عمدًا صنعته يا عمر).
والقرآن ـ أيضًا ـ يدل علي أنه لا يجب علي المتوضئ أن يتوضأ مرة ثانية من وجوه:
أحدها: أنه ـ سبحانه ـ قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]، فقد أمر من جاء من الغائط، ولم يجد الماء، أن يتيمم الصعيد الطيب، فدل علي أن المجيء من الغائط يوجب التيمم. فلو كان الوضوء واجبًا علي من جاء من الغائط ومن لم يجئ، فإن التيمم أولي بالوجوب. فإن كثيرًا من الفقهاء يوجبون التيمم لكل صلاة. وعلي هذا، فلا تأثير للمجيء من الغائط. فإنه إذا قام إلى الصلاة وجب الوضوء أو التيمم، وإن لم يجئ من الغائط. ولو جاء من الغائط، ولم يقم إلى الصلاة، لا يجب عليه وضوء ولا تيمم، فيكون ذكر المجيء من الغائط عبثًا علي قول هؤلاء.
الوجه الثاني: أنه ـ سبحانه ـ خاطب المؤمنين. لأن الناس كلهم يكونون محدثين فإن البول والغائط أمر معتاد لهم، وكل بني آدم محدث. والأصل فيهم: الحدث الأصغر. فإن أحدهم من حين كان طفلاً قد اعتاد ذلك، فلايزال محدثًا، بخلاف الجنابة. فإنها إنما تعرض لهم عند البلوغ. والأصل فيهم: عدم الجنابة. كما أن الأصل فيهم: عدم الطهارة الصغري؛ فلهذا قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}ثم قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} فأمرهم بالطهارة الصغري مطلقًا؛ لأن الأصل: أنهم كلهم محدثون قبل أن يتوضؤوا. ثم قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة: 6]، وليس منهم جنب إلا من أجنب؛ فلهذا فرق ـ سبحانه ـ بين هذا وهذا.
الثالث: أن يقال: الآية اقتضت وجوب الوضوء إذا قام المؤمن إلى الصلاة، فدل علي أن القيام هو السبب الموجب للوضوء. وأنه إذا قام إلى الصلاة صار واجبًا حينئذ وجوبًا مضيقًا. فإذا كان العبد قد توضأ قبل ذلك، فقد أدي هذا الواجب قبل تضيقه. كما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، فدل على أن النداء يوجب السعي إلى الجمعة، وحينئذ يتضيق وقته فلا يجوز أن يشتغل عنه ببيع ولا غيره. فإذا سعى إليها قبل النداء، فقد سابق إلى الخيرات، وسعى قبل تضيق الوقت. فهل يقول عاقل: إن عليه أن يرجع إلى بيته ليسعى عند النداء؟
وكذلك الوضوء: إذا كان المسلم قد توضأ للظهر قبل الزوال، أو للمغرب قبل غروب الشمس، أو للفجر قبل طلوعه، وهو إنما يقوم إلى الصلاة بعد الوقت، فمن قال: إن عليه أن يعيد الوضوء، فهو بمنزلة من يقول: إن عليه أن يعيد السعي إذا أتي الجمعة قبل النداء.
والمسلمون علي عهد نبيهم كانوا يتوضؤون للفجر وغيرها قبل الوقت وكذلك المغرب. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجلها، ويصليها إذا توارت الشمس بالحجاب. وكثير من أصحابه كانت بيوتهم بعيدة من المسجد. فهؤلاء لو لم يتوضؤوا قبل المغرب: لما أدركوا معه أول الصلاة بل قد تفوتهم جميعًا لبعد المواضع. وهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد الغروب، ولا من حضر عنده في المسجد، ولا كان يأمر أحدًا بتجديد الوضوء بعد المغرب. وهذا كله معلوم مقطوع به. وما أعرف في هذا خلافًا ثابتـًا عن الصحابة: أن من توضأ قبل الوقت، عليه أن يعيد الوضوء بعد دخول الوقت. ولا يستحب ـ أيضًا ـ لمثل هذا تجديد وضوء.
وإنما تكلم الفقهاء فيمن صلى بالوضوء الأول: هل يستحب له التجديد؟ وأما من لم يصل به، فلا يستحب له إعادة الوضوء، بل تجديد الوضوء في مثل هذا بدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما عليه المسلمون في حياته وبعده إلى هذا الوقت.
فقد تبين أن هذا قبل القيام قد أدى هذا الواجب قبل تضييقه، كالساعي إلى الجمعة قبل النداء، وكمن قضى الدين قبل حلوله؛ ولهذا قال الشافعي وغيره: إن الصبي إذا صلى ثم بلغ لم يعد الصلاة؛ لأنها تلك الصلاة بعينها، سابق إليها قبل وقتها. وهو قول في مذهب أحمد وهذا القول أقوى من إيجاب الإعادة. ومن أوجبها قاسه على الحج، وبينهما فرق. كما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
وهذا الذي ذكرناه في الوضوء هو بعينه في التيمم؛ ولهذا كان قول العلماء: إن التيمم كالوضوء،فهو طهور المسلم ما لم يجد الماء. وإن تيمم قبل الوقت وتيمم للنافلة، فيصلى به الفريضة وغيرها، كما هو قول ابن عباس. وهو مذهب كثير من العلماء ـ أبي حنيفة وغيره ـ وهو أحد القولين عن أحمد.
والقول الآخر ـ وهو التيمم لكل صلاة ـ هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد، وهو قول لم يثبت عن غيره من الصحابة كما قد بسط في موضعه.
فالآية محكمة ولله الحمد. وهي على ما دلت عليه، من أن كل قائم إلى الصلاة فهو مأمور بالوضوء. فإن كان قد توضأ قبل ذلك فقد أحسن وفعل الواجب قبل تضييقه، وسارع إلى الخيرات، كمن سعى إلى الجمعة قبل النداء.
فقد تبين أن الآية ليس فيها إضمار ولا تخصيص، ولا تدل على وجوب الوضوء مرتين. بل دلت على الحكم الثابت بالسنن المتواترة، وهو الذي عليه جماعة المسلمين، وهو وجوب الوضوء على المصلى، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول).
وهذا يوافق الآية الكريمة. فإنه يدل على أنه لابد من الطهور، ومن كان علي وضوء فهو علي طهور، وإنما يحتاج إلى الوضوء من كان محدثًا، كما قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتي يتوضأ)، وهو إذا توضأ ثم أحدث، فقد دلت الآية علي أمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة، وإذا كان قد توضأ، فقد فعل ما أمر به. كقوله: لا تصلى إلا بوضوء. أو لا تصلى حتى تتوضأ ونحو ذلك. مما بين أنه مأمور بالوضوء لجنس الصلاة، الشامل لأنواعها وأعيانها. ليس مأمورًا لكل نوع أو عين بوضوء غير وضوء الآخر. ولا في اللفظ ما يدل على ذلك.
لكن هذا الوجه لا يدل على تقدم الوضوء على الجنس، كمن أسلم فتوضأ قبل الزوال أو الغروب، أو كمن أحدث فتوضأ قبل دخول الوقت، بخلاف الوجه الذي قبله، فإنه يتناول هذا كله.
عدد المشاهدات *:
490664
490664
عدد مرات التنزيل *:
265921
265921
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013