/وَقَال ـ رحِمهُ اللّه:
فصل
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لما (أمرهم بشق ظروف الخمر، وكسر دِنَانها) دليل على إحدى الروايتين في جواز إتلاف ذلك عند الإنكار، وأن الظرف يتبع المظروف. ومثله ما ثبت عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبي طالب: أنهما أمرا بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، وقد نص أحمد على ذلك. ومثله إتلاف الآلة التي يقوم بها صورة التاليف المحرم، وهي آلات اللهو؛ فإن هذه العقوبات المالية ثابتة بالسنة وسيرة الخلفاء. ومن قال: إنها منسوخة فما معه دليل على ذلك.
وقد احتج بعضهم: بأنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه أنهم قد طبخوا لحوم الحمر. قال لهم: (أريقوها، واكسروا القدور). قالوا: أفلا نريقها، ونغسل القدور؟ قال: (افعلوا) قالوا: فلعلهم لو استأذنوه في أوعية الخمر، لقال ذلك. فأجيب بجوابين:
/ أحدهما: أن دفع الشريعة بمثل هذه التقديرات لا تجوز، فإنا إذا سوغنا فيما أمر به أو نهي عنه أنه لو روجع لنسخ ذلك: لجاز رفع كثير من الشريعة بمثل هذه الخيالات. مثل أن يقال: لو روجع الرب في نقص الصلاة عن خمس لنقصها، ولو، ولو.. ويقال: هذا باطل من وجهين:
أحدهما: أنا لا نعلم أنه لو روجع لفعل، وثبوت ذلك في صورة لا يوجب ثباته في سائر الصور، إلا بتقدير المساواة من كل وجه، وانتفاء الموانع، وهذا غير معلوم.
الثاني: أنه لو فرض أنه لو كان لكان، لكن لم يكن، وإذا كان النسخ معلقًا بسؤالهم، ولم يسألوا لم يقع النسخ. كما أن ابتداء الإيجاب والتحريم قد يكون معلقًا بسؤالهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)، وقال: (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا، من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته). وقال في الحج لما سألوه: أفي كل عام؟ فقال: (لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما قمتم به)، وقال في قيام رمضان: (إنما منعني أن أخرج إليكم خشية أن يفترض عليكم، فلا تقوموا). فقد بين / النبي صلى الله عليه وسلم أن السؤال والعمل قد يكون سببًا لابتداء الحكم من وجوب أو تحريم. ثم إذا لم يكن السبب فلم يكن الوجوب والتحريم، لم يثبت بعد موته صلى الله عليه وسلم، وكذلك قد يكون سببًا لرفع حكم من وجوب أو تحريم، ثم إذا لم يوجد السبب لم يرتفع الحكم بعد موته.
وليس من هذا قول عائشة: لو رأي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء بعده لمنعهن المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل. فإن عائشة كانت أتقي للّه من أن تسوغ رفع الشريعة بعد موته، وإنما أرادت أن النبي صلى الله عليه وسلم لو رأي مافي خروج بعض النساء من الفساد لمنعهن الخروج، تريد بذلك أن قوله: (لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه) وإن كان مخرجه على العموم، فهو مخصوص بالخروج الذي فيه فساد، كما قال أكثر الفقهاء: إن الشواب التي في خروجهن فساد يمنعهن. فقصد بذلك تخصيص اللفظ الذي ظاهره أنها علمت من حال النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يأذن في مثل هذا الخروج، لا أنها قصدت منع النساء مطلقًا، فإنه ليس كل النساء أحدثن، وإنما قصدت منع المحدثات.
الجواب الثاني: أن هذا الحديث الوارد في أوعية لحوم الحمر، حجة ـ أيضًا ـ في المسألة، فإنه أمر أولًا بتكسير الأوعية، ثم لما استأذنوه/ في الغسل أذن فيه، فعلم بذلك أن الكسر لا يجب، وليس فيه أنه لا يجوز، بل يقال: يجوز الأمران، الكسر والغسل.
وكذلك يقال في أوعية الخمر: إنه يجوز إتلافها، ويجوز تطهيرها، فإذا كان الأصلح الإتلاف أتلفت، ولو أن صاحب أوعية الخمرة والملاهي طهر الأوعية، وغسل الآلات لجاز بالاتفاق، لكن إذا أظهر المنكر حتى أنكر عليه فإنه يستحق العقوبة بالإتلاف.
والصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ لم يكونوا علموا التحريم فأسقط عنهم الإتلاف لذلك. واللّه أعلم.
فصل
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لما (أمرهم بشق ظروف الخمر، وكسر دِنَانها) دليل على إحدى الروايتين في جواز إتلاف ذلك عند الإنكار، وأن الظرف يتبع المظروف. ومثله ما ثبت عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبي طالب: أنهما أمرا بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، وقد نص أحمد على ذلك. ومثله إتلاف الآلة التي يقوم بها صورة التاليف المحرم، وهي آلات اللهو؛ فإن هذه العقوبات المالية ثابتة بالسنة وسيرة الخلفاء. ومن قال: إنها منسوخة فما معه دليل على ذلك.
وقد احتج بعضهم: بأنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه أنهم قد طبخوا لحوم الحمر. قال لهم: (أريقوها، واكسروا القدور). قالوا: أفلا نريقها، ونغسل القدور؟ قال: (افعلوا) قالوا: فلعلهم لو استأذنوه في أوعية الخمر، لقال ذلك. فأجيب بجوابين:
/ أحدهما: أن دفع الشريعة بمثل هذه التقديرات لا تجوز، فإنا إذا سوغنا فيما أمر به أو نهي عنه أنه لو روجع لنسخ ذلك: لجاز رفع كثير من الشريعة بمثل هذه الخيالات. مثل أن يقال: لو روجع الرب في نقص الصلاة عن خمس لنقصها، ولو، ولو.. ويقال: هذا باطل من وجهين:
أحدهما: أنا لا نعلم أنه لو روجع لفعل، وثبوت ذلك في صورة لا يوجب ثباته في سائر الصور، إلا بتقدير المساواة من كل وجه، وانتفاء الموانع، وهذا غير معلوم.
الثاني: أنه لو فرض أنه لو كان لكان، لكن لم يكن، وإذا كان النسخ معلقًا بسؤالهم، ولم يسألوا لم يقع النسخ. كما أن ابتداء الإيجاب والتحريم قد يكون معلقًا بسؤالهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)، وقال: (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا، من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته). وقال في الحج لما سألوه: أفي كل عام؟ فقال: (لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما قمتم به)، وقال في قيام رمضان: (إنما منعني أن أخرج إليكم خشية أن يفترض عليكم، فلا تقوموا). فقد بين / النبي صلى الله عليه وسلم أن السؤال والعمل قد يكون سببًا لابتداء الحكم من وجوب أو تحريم. ثم إذا لم يكن السبب فلم يكن الوجوب والتحريم، لم يثبت بعد موته صلى الله عليه وسلم، وكذلك قد يكون سببًا لرفع حكم من وجوب أو تحريم، ثم إذا لم يوجد السبب لم يرتفع الحكم بعد موته.
وليس من هذا قول عائشة: لو رأي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء بعده لمنعهن المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل. فإن عائشة كانت أتقي للّه من أن تسوغ رفع الشريعة بعد موته، وإنما أرادت أن النبي صلى الله عليه وسلم لو رأي مافي خروج بعض النساء من الفساد لمنعهن الخروج، تريد بذلك أن قوله: (لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه) وإن كان مخرجه على العموم، فهو مخصوص بالخروج الذي فيه فساد، كما قال أكثر الفقهاء: إن الشواب التي في خروجهن فساد يمنعهن. فقصد بذلك تخصيص اللفظ الذي ظاهره أنها علمت من حال النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يأذن في مثل هذا الخروج، لا أنها قصدت منع النساء مطلقًا، فإنه ليس كل النساء أحدثن، وإنما قصدت منع المحدثات.
الجواب الثاني: أن هذا الحديث الوارد في أوعية لحوم الحمر، حجة ـ أيضًا ـ في المسألة، فإنه أمر أولًا بتكسير الأوعية، ثم لما استأذنوه/ في الغسل أذن فيه، فعلم بذلك أن الكسر لا يجب، وليس فيه أنه لا يجوز، بل يقال: يجوز الأمران، الكسر والغسل.
وكذلك يقال في أوعية الخمر: إنه يجوز إتلافها، ويجوز تطهيرها، فإذا كان الأصلح الإتلاف أتلفت، ولو أن صاحب أوعية الخمرة والملاهي طهر الأوعية، وغسل الآلات لجاز بالاتفاق، لكن إذا أظهر المنكر حتى أنكر عليه فإنه يستحق العقوبة بالإتلاف.
والصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ لم يكونوا علموا التحريم فأسقط عنهم الإتلاف لذلك. واللّه أعلم.
عدد المشاهدات *:
520573
520573
عدد مرات التنزيل *:
270022
270022
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013