وسئل ـ رحمه الله ـ عن إجارة الجواميس، يستأجرها عاما واحدا مطلقا، وغرضه لبنها، ويستعملها لذلك. وإنما جعلوه مطلقا أنه يستعملها والقصد اللبن. والغنم أيضا هل تجوز إجارتها للبن؟ وهل يجوز أن تعطي لمن يرعاها بصوفها ولبنها؟ أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، هذه المسألة فيها نزاع معروف بين السلف والعلماء، وكذلك في اشتراء اللبن مدة، مقدارا معينا من ذلك اللبن، يأخذه أقساطا من هذه الماشية. والمنع من ذلك هو المعروف في مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.
قال هؤلاء: هذا بيع ما لم ير، ولم يوصف، بل بيع معدوم لم يوجد. والإجارة إنما تكون على المنافع دون الأعيان، وهذه أعيان.
وقال هؤلاء: إجارة الظئر للرضاع على خلاف القياس، جازت للحاجة. وتنازع هؤلاء في هذه الإجارة. فقيل: إن المعقود عليه هو الخدمة، والرضاع تابع، وهذا قول ابن عقيل وغيره. وقيل: بل /المعقود عليه هو المقصود بالعقد، وهو اللبن. وهو قول القاضي أبي يعلى، وغيره.
وأما الرخصة في ذلك في الجملة، فهو مذهب مالك، وغيره. وهؤلاء قد يسمون إجارة الظئر للرضاع تبعا للبن؛ لأن الظئر تبع اللبن الذي لم يخلق بعد؛ بناء على أنه عقد على الأعيان، والعقد على العين هو من باب البيوع. والنزاع في ذلك لفظي؛ فإنها داخلة في مسمي البيع العام، المتناول للأعيان والمنافع، والموجود والمعدوم، وليست داخلة في مسمي البيع الخاص، الذي يختص بالموجود من الأعيان.
وكذلك السلف تنازعوا: هل هو من البيع؟ على القولين. وهل يكون بلفظ البيع سلفا؟ على وجهين في مذهب أحمد وغيره. حتي قال من لم يجعله بيعا: إن السلف الحال يجوز بلفظ البيع، دون لفظ السلم. والصحيح أن العقود إنما يعتبر فيها معانيها لا بمجرد اللفظ.
والصواب: أن الإجارة المسؤول عنها جائزة؛ فإن الأدلة الشرعية الدالة على الجواز بعوضها ومقايستها تتناول هذه الإجارة، وليس من الأدلة ما ينفي ذلك؛ فإن قول القائل: إن إجارة الظئر على خلاف القياس؛ كلام فاسد. فإنه ليس في كتاب الله إجارة منصوص عليها في شريعتنا إلا هذه الإجارة، كما قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وقال: {وَعلى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، والسنة وإجماع الأمة دلا على جوازها وإنما تكون مخالفة للقياس لو عارضها قياس نص آخر، وليس في سائر النصوص وأقيستها ما يناقض هذه.
وقول القائل: الإجارة إنما تكون على المنافع دون الأعيان، ليس هو قول لله، ولا لرسوله، ولا الصحابة، ولا الأئمة؛ وإنما هو قول قالته طائفة من الناس.
فيقال لهؤلاء: لا نسلم أن الإجارة لا تكون إلا على المنافع فقط؛ بل الإجارة تكون على ما يتجدد ويحدث ويستخلف بدله، مع بقاء العين، كمياه البئر، وغير ذلك، سواء كان عينا أو منفعة، كما أن الموقوف يكون ما يتجدد، وما تحدث فائدته شيئا بعد شيء، سواء كانت الفائدة منفعة، أو عينا؛ كالتمر واللبن، والماء النابع.
وكذلك العارية. وهو عما يكون الانتفاع بما يحدث، ويستخلف بدله. يقال: أفقر الظهر، وأعري النخلة، ومنح الناقة، فإذا منحه الناقة يشرب /لبنها ثم يردها، أو أعراه نخلة يأكل ثمرها، ثم يردها، وهو مثل أن يفقره ظهرا يركبه، ثم يرده.
وكذلك إكراء المرأة أو طير، أو ناقة، أو بقرة، أو شاة يشرب لبنها مدة معلومة، فهو مثل أن يكون دابة يركب ظهرها مدة معلومة.
وإذا تغيرت العادة في ذلك، كان تغير العادة في المنفعة يملك المستأجر؛ إما الفسخ، وإما الأرش. وكذلك إذا أكراه حديقة يستعملها حولا، أو حولين، كما فعل عمر بن الخطاب لما قبل حديقة أسيد بن الحضير ثلاث سنين، وأخذ المال وقضي به دينا كان عليه.
وإذا كان المستأجر هو الذي يقوم على هذه الدواب، فهو إجارة، وهو أولي بالجواز من إجارة الظئر.
وأما إذا كان صاحب الماشية هو الذي يعلفها ويسقيها ويؤويها، وطالب اللبن لا يعرف إلا لبنها، وقد استأجرها ترضع سخالا له، فهو مثل إجارة الظئر. وإذا كان ليأخذ اللبن هو فهو يشبه إجارة الظئر، للرضاع المطلق، لا لإرضاع طفل معين. وهذا قد يسمي بيعا، ويسمي إجارة. وهو نزاع لفظي.
وإذا قيل: هو بيع معدوم. قيل: نعم، وليس في أصول الشرع ما ينهي عن بيع كل معدوم، بل المعدوم الذي يحتاج إلى بيعه، وهو معروف في العادة، يجوز بيعه، كما يجوز بيع الثمرة بعد بدو صلاحها؛ فإن ذلك يصح عند جمهور العلماء، كما دلت عليه السنة، مع أن الأجزاء التي تخلق بعد معدومة، وقد دخلت في العقد. وكذلك /يجوز بيع المقاثي وغيرها على هذا القول. والله أعلم. والحمد لله.
فأجاب:
الحمد لله، هذه المسألة فيها نزاع معروف بين السلف والعلماء، وكذلك في اشتراء اللبن مدة، مقدارا معينا من ذلك اللبن، يأخذه أقساطا من هذه الماشية. والمنع من ذلك هو المعروف في مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.
قال هؤلاء: هذا بيع ما لم ير، ولم يوصف، بل بيع معدوم لم يوجد. والإجارة إنما تكون على المنافع دون الأعيان، وهذه أعيان.
وقال هؤلاء: إجارة الظئر للرضاع على خلاف القياس، جازت للحاجة. وتنازع هؤلاء في هذه الإجارة. فقيل: إن المعقود عليه هو الخدمة، والرضاع تابع، وهذا قول ابن عقيل وغيره. وقيل: بل /المعقود عليه هو المقصود بالعقد، وهو اللبن. وهو قول القاضي أبي يعلى، وغيره.
وأما الرخصة في ذلك في الجملة، فهو مذهب مالك، وغيره. وهؤلاء قد يسمون إجارة الظئر للرضاع تبعا للبن؛ لأن الظئر تبع اللبن الذي لم يخلق بعد؛ بناء على أنه عقد على الأعيان، والعقد على العين هو من باب البيوع. والنزاع في ذلك لفظي؛ فإنها داخلة في مسمي البيع العام، المتناول للأعيان والمنافع، والموجود والمعدوم، وليست داخلة في مسمي البيع الخاص، الذي يختص بالموجود من الأعيان.
وكذلك السلف تنازعوا: هل هو من البيع؟ على القولين. وهل يكون بلفظ البيع سلفا؟ على وجهين في مذهب أحمد وغيره. حتي قال من لم يجعله بيعا: إن السلف الحال يجوز بلفظ البيع، دون لفظ السلم. والصحيح أن العقود إنما يعتبر فيها معانيها لا بمجرد اللفظ.
والصواب: أن الإجارة المسؤول عنها جائزة؛ فإن الأدلة الشرعية الدالة على الجواز بعوضها ومقايستها تتناول هذه الإجارة، وليس من الأدلة ما ينفي ذلك؛ فإن قول القائل: إن إجارة الظئر على خلاف القياس؛ كلام فاسد. فإنه ليس في كتاب الله إجارة منصوص عليها في شريعتنا إلا هذه الإجارة، كما قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وقال: {وَعلى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، والسنة وإجماع الأمة دلا على جوازها وإنما تكون مخالفة للقياس لو عارضها قياس نص آخر، وليس في سائر النصوص وأقيستها ما يناقض هذه.
وقول القائل: الإجارة إنما تكون على المنافع دون الأعيان، ليس هو قول لله، ولا لرسوله، ولا الصحابة، ولا الأئمة؛ وإنما هو قول قالته طائفة من الناس.
فيقال لهؤلاء: لا نسلم أن الإجارة لا تكون إلا على المنافع فقط؛ بل الإجارة تكون على ما يتجدد ويحدث ويستخلف بدله، مع بقاء العين، كمياه البئر، وغير ذلك، سواء كان عينا أو منفعة، كما أن الموقوف يكون ما يتجدد، وما تحدث فائدته شيئا بعد شيء، سواء كانت الفائدة منفعة، أو عينا؛ كالتمر واللبن، والماء النابع.
وكذلك العارية. وهو عما يكون الانتفاع بما يحدث، ويستخلف بدله. يقال: أفقر الظهر، وأعري النخلة، ومنح الناقة، فإذا منحه الناقة يشرب /لبنها ثم يردها، أو أعراه نخلة يأكل ثمرها، ثم يردها، وهو مثل أن يفقره ظهرا يركبه، ثم يرده.
وكذلك إكراء المرأة أو طير، أو ناقة، أو بقرة، أو شاة يشرب لبنها مدة معلومة، فهو مثل أن يكون دابة يركب ظهرها مدة معلومة.
وإذا تغيرت العادة في ذلك، كان تغير العادة في المنفعة يملك المستأجر؛ إما الفسخ، وإما الأرش. وكذلك إذا أكراه حديقة يستعملها حولا، أو حولين، كما فعل عمر بن الخطاب لما قبل حديقة أسيد بن الحضير ثلاث سنين، وأخذ المال وقضي به دينا كان عليه.
وإذا كان المستأجر هو الذي يقوم على هذه الدواب، فهو إجارة، وهو أولي بالجواز من إجارة الظئر.
وأما إذا كان صاحب الماشية هو الذي يعلفها ويسقيها ويؤويها، وطالب اللبن لا يعرف إلا لبنها، وقد استأجرها ترضع سخالا له، فهو مثل إجارة الظئر. وإذا كان ليأخذ اللبن هو فهو يشبه إجارة الظئر، للرضاع المطلق، لا لإرضاع طفل معين. وهذا قد يسمي بيعا، ويسمي إجارة. وهو نزاع لفظي.
وإذا قيل: هو بيع معدوم. قيل: نعم، وليس في أصول الشرع ما ينهي عن بيع كل معدوم، بل المعدوم الذي يحتاج إلى بيعه، وهو معروف في العادة، يجوز بيعه، كما يجوز بيع الثمرة بعد بدو صلاحها؛ فإن ذلك يصح عند جمهور العلماء، كما دلت عليه السنة، مع أن الأجزاء التي تخلق بعد معدومة، وقد دخلت في العقد. وكذلك /يجوز بيع المقاثي وغيرها على هذا القول. والله أعلم. والحمد لله.
عدد المشاهدات *:
490655
490655
عدد مرات التنزيل *:
265921
265921
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013