اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ???????? ?????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?????? ???????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

صلى

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
الجزء التاسع
خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان
فصل
البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
أدرك وهب بن منبه عدة من الصحابة واسند عن ابن عباس وجابر والنعمان بن بشير وروي عن معاذ بن جبل وآبى هريرة وعن طاوس وعنه من التابعين عدة وقال وهب مثل من تعلم علما لا يعمل به كمثل طبيب معه شفاء لا يتداوى به وعن منير مولى الفضل بن آبى عياش قال كنت جالسا مع وهب بن منبه فاتاه رجل فقال له أني مررت بفلان وهو يشتمك فغضب وقال ما وجد الشيطان رسولا غيرك فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الشاتم فسلم على وهب فرد عليه السلام ومد يده إليه وصافحه واجلسه الىجنبه وقال ابن طاوس سمعت وهبا يقول ابن آدم احتل لدينك فان رزقك سيأتيك وقال وهب كسي آهل النار والعرى كان خيرا لهم وطعموا والجوع كان خيرا لهم واعطوا الحياة والموت كان خيرا لهم وقال قال داود عليه السلام اللهم ايما فقير سأل غنيا فتصام عنه فاسالك إذا دعاك فلاتجبه وإذا سالك فلا تعطه وقال قرأت في بعض كتب الله ابن آدم لا خير لك في آن تعلم مالم تعلم ولم تعمل بما قد علمت فان مثلك كمثل رجل احتطب حطبا فحزم حزمة فذهب يحملها فعجز عنها فضم إليها أخري وقال آن لله ثمانية عشر آلف عالم الدنيا منها عالم واحد وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء
وروى الطبراني عنه انه قال إذا أردت آن تعمل بطاعة الله عز وجل فاجتهد في نصحك وعملك لله فان العمل لا يقبل ممن ليس بناصح والنصح لله لا يكمل ألا بطاعة الله كمثل الثمرة الطيبة يحها وطعمها كذلك مثل طاعة الله النصح ريحها والعمل طعمها ثم زين طاعتك بالحلم
والعقل والفقه والعمل ثم أكبر نفسك عن أخلاق السفهاء وعبيد الدنيا وعبدها على أخلاق الأنبياء والعلماء العاملين وعودها فعل الحكماء وامنعها عمل الأشقياء وألزمها سيرة الأتقياء واعزبها عن سبل الخبثاء وما كان لك من فضل فأعن به من دونك وما كان فيمن دونك من نقص فأعنه عليه حتى يبلغه فإن الحكيم من جمع فواضله وعاد بها على من دونه وينظر في نقائص من دونه فيقويها ويرجيها حتى يبلغه إن كان فقيها حمل من لا فقه له إذا رأى أنه يريد صحابته ومعونته وإذا كان له مال أعطى منه من لا مال له وإذا كان مصلحا استغفر للمذنب ورجا توبته وإذا كان محسنا أحسن إلى من أساء إليه واستوجب بذلك أجره ولا يعتر بالقول حتىيحسن منه الفعل فإذا أحسن الفعل نظر إلى فضل الله وإحسانه إليه ولا يتمنى الفعل حتى يفعله فإذا بلغ من طاعة الله مبلغا حمد الله على ما بلغ منها فيها ثم طلب مالم يبلغ منها وإذا ذكر خطيئة سترها عن الناس واستغفر الله الذي هو قادر على أن يغفرها وإذا علم من الحكمة شيئا لم يشبعه بل يطلب ما لم يبلغ منها ثم لايستعين بشيء من الكذب فإن الكذب كالأكلة في الجسد تكاد تأكله أو كالأكلة في الخشب يرى ظهرها حسنا وجوفها نخر تغر من يراها حتى تنكسر على ما فيها وتهلك من اغتر بها وكذلك الكذب في الحديث لا يزال صاحبه يغتر به يظن أنه معينة على حاجته ورائد له في رغبته حتى يعرف ذلك منه ويتبين لذوي العقول غرورةه فتستنبط الفقهاء ما كان يستخفي له عنه فإذا أطلعوا على ذلك من أمره وتبين لهم كذبوا خبره وأباروا شهادته واتهموا صدقة وحقروا شأنه وأبغضوا مجلسه واستخفوا منه بسرائرهم وكتموه حديثهم وصرفوا عنه أماناتهم وغيبوا عنه أمرهم وحذروه على دينهم ومعيشتهم ولم يحضروه شيئا من محاضرتهم ولم يأمنوه على شيء من سرهم ولم يحكموه فيما شجر بينهم
وروى عبدالمنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب قال قال لقمان لإبنه إن مثل أهل الذكر والغفلة كمثل النور والظلمة وقال قرأت في التوراة أربعة أسطر متواليات من قرأ كتاب الله فظن أنه لا يغفر له فهو من المستهزئين بآيات الله ومن شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه عز وجل من أسف على ما فاته من الدنيا سخط قضاء ربه عز وجل ومن تضعضع لغنى ذهب ثلث دينه وقال وهب قرأت في التوراة أيما دار بنيت بقوة الضعفاء جعلت عاقبتها إلى الخراب وأيما مال جمع من غير حله أسرع الفقر إلى أهله
وقال عبد الله بن المبارك حدثنا معمر عن محمد بن عمرو قال سمعت وهب بن منبه يقول وجدت في بعض الكتب يقول الله تعالى إذا أطاعني عبدي استجبت له من قبل أن يدعوني وأعطيته من قبل أن يسألني وإن عبدي إذا أطاعني لو أن أهل السموات وأهل الأرض أجلبوا
عليه جعلت له المخرج من ذلك وإن عبدي إذا عصاني قطعت يديه من أبواب السماء وجعلته في الهواء فلا يمتنع من شيء أراده من خلقي وقال ابن المبارك أيضا حدثنا بكار بن عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يقول قال الله تعالى فيما يعيب به أحبار بني إسرائيل تفقهون لغير الدين وتتعلمون لغير العمل و تبتاعون الدنيا بعمل الآخرة وتلبسون جلود الضأن وتحملون نفس الذباب وتنغذون الغذاء من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ثم لا تعينوهم برفع الخناصر تطيلون الصلاة وتبيضون الثياب تنتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأى ذي الرأي وحكمة الحكيم
وقال الطبراني حدثنا عبدالله بن محمد الصنعاني حدثنا همام بن مسلمة حدثنا غوث بن جابر حدثنا عقيل بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول إن الله ليس يحمد أحدا على طاعة ولا ينال أحد من الله خيرا إلا برحمته وليس يرجو الله خير الناس ولا يخاف شرهم ولا يعطف الله على الناس إلا برحمته إياهم إن مكروا به أباد مكرهم وإن خادعوه رد عليهم خداعهم وإن كاذابوه كذب بهم وإن أدبروا قطع دابرهم وإن أقبلوا قبل منهم ولا يقبل منهم شيئا من حيلة ولا مكر ولا خداع ولا سخط ولا مشادة وإنما يأتي بالخير من الله تعالى رحمته ومن لم يبتغ الخير من قبل رحمته لا يجد بابا غير ذلك يدخل منه فإن الله تعالى لا ينال الخير منه إلا بطاعته ولا يعطف الله على الناس شيء إلا تعبدهم له وتضرعهم إليه حتى يرحمهم فإذا رحمهم استخرجت رحمته منه حاجتهم وليس ينال الخير من الله من وجه غير ذلك وليس إلى رحمة الله سبيل تؤتى من قبله إلا تعبد العباد له وتضرعهم إليه فإن رحمه الله عز وجل باب كل خير يبتغي من قبله وإن مفتاح ذلك الباب التضرع إلى الله عز وجل والتعبد له فمن ترك المفتاح لم يفتح له ومن جاء بالمفتاح فتح له به وكيف يفتح الباب بغير مفتاح ولله خزائن الخير كله وباب خزائن الله رحمته ومفتاح رحمة الله التذلل والتضرع والافتقار إلى الله فمن حفظ ذلك المفتاح فتحت له الخزائن ودخل فله فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وفيها ما تشاؤون وما تدعون في مقام أمين لا يحلون عنه ولا يخافون ولا ينصبون ولا يهرمون ولا يفتقرون ولا يموتون في نعيم مقيم وأجر عظيم وثواب كريم نزل من غفور رحيم
وقال سفيان بن عيينة قال وهب أعون الأخلاق على الدين الزهادة في الدنيا وأسرعها ردا اتباع الهوى وحب المال والشرف ومن حب المال والشرف تنتهك المحارم ومن انتهاك المحارم بغضب الرب وغضب الله ليس له دواء وقال يقول الله تعالى في بعض كتبه يعتب به بني إسرائيل إني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت وإن اللعنة مني تبلغ السابع من الولد وقال كان في بني إسرائيل رجل
عصى الله عز وجل مائتي سنة ثم مات فأخذوا برجله فألقوه على مزبلة فأوحى الله إلى موسى أن صل عليه فقال يا رب إن بني إسرائيل شهدوا أنه قد عصاك مائتي سنة قال الله له نعم هكذا كان إلا أنه كان كلما نشر التوراة ورأى إسم محمد ص قبله ووضعه على عيينة وصلى عليه فشكرت ذلك له فغفرت له ذنوبه وزوجته سبعين حوراء كذا روى وفيه علل ولا يصح مثله وفي إسناده غرابة وفي متنه بكارة شديدة وروى ابن إدريس عن أبيه عن وهب قال قال موسى يارب احبس عني كلام الناس فقال الله له يا موسى ما فعلت هذا بنفسي وقال لما دعى يوسف إلى الملك وقف بالباب وقال حسبي ديني من دنياي حسبي ربي من خلقه عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ثم دخل على الملك فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره وخر له ساجدا ثم أقعده الملك معه على السرير وقال إنك اليوم لدينا مكين أمين فقال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم حفيظ بهذه السنين وما استودعتني فيها عليم بلغة من يأتيني
وقال الإمام أحمد حدثنا منذر بن النعمان الأفطس أنه سمع وهبا يقول لما أمر الله الحوت أن لا يضره ولا يكلمه يعني يونس قال فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قال من العابدين قبل ذلك فذكره الله بعبادته المتقدمة فلما خرج من البحر نام فأنبت الله شجرة من يقطين وهو الدباء فلما رآها قد أظلته ورأى خضرتها فأعجبته ثم نام فاستيقظ فإذا هي قد يبست فجعل يتحزن عليها فقيل له أنت لم تخلق ولم تسق ولم تنبت وتحزن عليها وأنا الذي خلقت مائة ألف من النار أو يزيدون ثم رحمتهم فشق ذلك عليك
وقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن خالد الغساني حدثنا رباح حدثني عبد الملك بن عبد المجيد ابن خشك عن وهب قال لما أمر نوح أن يحمل من كل زوجين اثنين قال يارب كيف أصنع بالأسد والبقر وكيف أصنع بالعناق والذئب وكيف أصنع بالحمام والهر قال من ألقى بينهم العداوة قال أنت يارب قال فإني أؤلف بينهم حتى لا يتضررن
وقال وهب لعطاء الخراساني ويحك يا عطاء ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا وأبواب الأمراء ويحك يا عطاء أتأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتترك باب من يقول ادعوني أستجب لكم ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك فأوهى ما في الدنيا يكفيك وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك ويحك يا عطاء إنما بطنك بحر من البحور وود من الأدوية لا يملؤه شيء إلا التراب وسئل وهب عن رجلين يصليان أحدهما أطول قنوتا وصمتا والآخر أطول سجودا فأيهما أفضل فقال أنصحهما لله عز وجل وقال من خصال المنافق أن يحب الحمد ويكره الذم أي
يحب أن يحمد على مالم يفعل ويكره أن يذم بما فيه قال وقال لقمان لابنه يا بني اعقل عن الله فإن أعقل الناس من عقل عن الله وإن الشيطان ليفر من العاقل ما يستطيع أن يكايده وقال لرجل من جلسائه ألا أعلمك طبا لا يتعايا فيه الفقهاء وحلما لا يتعايا فيه الحلماء قال بلى يا أبا عبدالله قال أما الطب فلا تأكل طعاما إلا سميت الله على أوله وحمدته على آخره وأما الفقه فإن سئلت عن شيء عندك فيه علم فأخبر بما تعلم و إلا فقل لا أدري وأما الحلم فأكثر الصمت إلا أن تسأل عن شيء وقال إذا كان في الصبى خلقان الحياء والرهبة طمع في رشده
وقال لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملك هناك صف لي الناس فقال محادثتك من لا يعقل كمن يغني الموتى ومحادثتك من لا يعقل كمن يبل الصخر الأصم كي يلين وكمن يطبخ الحديد يلتمس أدمه ومحادثتك من لا يعقل كمن يضع المائدة لأهل القبور ونقل الحجارة من رؤس الجبال أيسر من محادثتك من لا يعقل وقال قرأت في بعض الكتب أن مناديا ينادي من السماء الرابعة كل صباح أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده أبناء الخمسين ما ذا قدمتم أبناء الستين لا عذر لكم ليت الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم وقال قال دانيال يا لهفي على زمن يلتمس فيه الصالحون فلا يوجد منهم أحد إلا كالسنبلة في أثر الحاصد أو كالخصلة في أثر القاطف يوشك نوائح أولئك وبواكيهم أن تبكيهم
وروى عبد الرزاق عن عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهبا يقول في قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قال إنما يوزن من الأعمال خواتيمها وإذا أراد الله بعبد خيرا ختم له بخيرعمله وإذا أراد الله بعبد شرا ختم له بشر عمله وقال وهب إن الله تعالى لما فرغ من الخلق نظر إليهم حين مشوا على وجه الأرض فقال أنا الله لا إله إلا أنا الذي خلقتكم وأفنيكم بحكمي حق قضائي ونافذ أمري أنا أعيدكم كما خلقتكم وأفنيكم حتى أبقى وحدي فإن الملك والخلود لا يحق إلا لي أدعو خلقي وأجمعهم بقضائي يوم أحشر أعدائي وتجل القلوب من هيبتي تتبرأ الآلهة ممن عبدها دوني
قال وذكر وهب أن الله لما فرغ من خلقه يوم الجمعة أقبل يوم السبت فمدح نفسه بما هو أهله وذكر عصمته وجبروته وكبرياءه وسلطانه وقدرته وملكه وربوبيته فأنصت كل شي وأطرق له فقال أنا الملك لا إله إلا أنا ذو الرحمة الواسعة والأسماء الحسنى أنا الله لا إله إلا أنا ذو العرش المجيد والأمثال العلا أنا الله لا إله إلا أنا ذو الطول والمن والآلاء والكبرياء أنا الله لا إله إلا أنا بديع السموات والأرض ملأت كل شيء عظمتي وقهر كل شيء ملكي وأحاطت بكل شيء قدرتي وأحصى كل شيء علمي ووسعت كل شيء رحمتي وبلغ كل شيء لطفي فأنا الله يا معشر الخلائق
فاعرفوا مكاني فليس شيء في السموات والأرضين إلا أنا وخلقي كلهم لا يقوم ولا يدوم إلا بي ويتقلب في قبضتي ويعيش برزقي وحياته وموته وبقاؤه وفناؤه بيدي فليس له محيص ولا ملجأ غيري لو تخليت عنه طرفة عين لدمر كله وكنت أنا على حالي لا ينقصني ذلك شيئا ولاينقص ذلك ملكي شيئا وأنا مستغن العز كله في جبروتي وملكي وبرهان نوري وشديد بطشي وعلو مكاني وعظمة شأني فلا شيء مثلي ولا إله غيري وليس ينبغي لشيء خلقته أن يعدل بي ولا ينكرني وكيف ينكرني من خلقته يوم خلقته على معرفتي أم كيف يكابرني من قهر قهره ملكي أم كيف يعجزني من ناصيته بيدي أم كيف يعدل بي من أعمره وأسقم جسمه وأنقص عقله وأتوفى نفسه وأخلقه وأهرمه فلا يمتنع مني أم كيف يستنكف عن عبادتي عبدي وابن عبدي وابن أمتي ومن لا ينسب إلى خالق ولا وارث غيري أم كيف يعبد دوني من تخلقه الأيام ويفنى أجله اختلاف الليل والنهار وهما شعبة يسيرة من سلطاني فالى إلى يا أهل الموت والفناء لا إلى غيري فإني كتبت الرحمة على نفسي وقضيت العفو والمغفرة لمن استغفرني أعفر الذنوب جميعا صغيرها وكبيرها لمن استغفرني ولايكبر ذلك علي ولا يتعاظمني فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولا تقنطوا من رحمتي فإن رحمتي سبقت غضبي وخزائن الخير كلها بيدي ولم أخلق شيئا مما خلقت لحاجة كانت مني إليه ولكن لأبين به قدرتي ولينظر الناظرون في ملكي ويتدبروا حكمتي وليسبحوا بحمدي ويعبدوني لا يشركوا بي شيئا ولتعنوا الوجوه كلها إلى
وقال أشرس عن وهب قال قال داود إلهي أين أجدك قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي وقال كان رجل من بني إسرائيل صام سبعين أسبوعا يفطر في كل أسبوع يوما وهو يسأل الله أن يريه كيف يغوي الشيطان الناس فلما أن طال ذلك عليه ولم يجب قال في نفسه لو أقبلت على خطيئتي وعلى ذنوبي وما بيني وبين ربي لكان خيرا من هذا الأمر الذي أطلب ثم أقبل على نفسه فقال يا نفس من قبلك أتيت لو علم الله فيك خيرا لقضى حاجتك فأرسل الله ملكا إلى نبيهم أن قل لفلان العابد إزراؤك على نفسك وكلامك الذي تكلمت به أعجب إلي مما مضى من عبادتك وقد أجاب الله سؤالك وفتح بصرك فانظر الآن فنظر فإذا أحبولة لإبليس قد أحاطت بالأرض وإذا ليس أحد من بني آدم إلا وحوله سياطين مثل الذباب فقال إي رب ومن ينجو من هؤلاء قال صاحب القلب الوادع اللين
وقال وهب كان رجل من اسائحين فأتى على أرض فيها قثاء فدعته نفسه إلى أخذ شيء منه فعاقبها فقام مكانه يصلى ثلاثة أيام فمر به رجل وقد لوحته الشمس والريح فلما نظر إليه قال
سبحان الله لكأنا أحرق هذا الإنسان بالنار فقال السائح هكذا بلغ مني ما ترى خوف النار فكيف بي لو قد دخلتها
وقال كان رجل من الأولين أصاب ذنبا فقال لله علي أن لا يظلني سقف بيت أبدا حتى تأتيني براءة من النار فكان بالصحراء في الحر والقر فمر به رجل فرأى شدة حاله فقال يا عبدالله ما بلغ بك ما أرى فقال بلغ ما ترى ذكر جهنم فكيف بي إذا أنا وقعت فيها وقال لايكن البطال من الحكماء أبدا ولا يرث الزناة من ملكوت السماء وقال وهب في موعظته اليوم يعظ السعيد ويستكثر من منافعه اللبيب يا ابن آدم إنما جمعت من منافع هذا اليوم لدفع ضرر الجهالة عنك وإنما أوقدت فيه مصابيح الهدى لتنبه لحزبك فلم ار كاليوم ضل مع نوره متحير داع لمداوة سلم يا ابن آدم إنه لا أقوى من خالق ولا أضعف من مخلوق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أضعف ممن هو في يد طالبه يا أبن آدم إنه قد ذهب منك مالا يرجع إليك وأقام عندك ما سيذهب فماالجزع مما لابد منه وما الطمع فيما لا يرتجي وما الحيلة في بقاء ما سيذهب يا ابن آدم اقصر عن طلب مالا تدرك وعن تناول مالا تناله وعن ابتغاء مالا يوجد واقطع الرجاء عنك كما قعدت به عنك الأشياء واعلم أنه رب مطلوب هو شر لطالبه يا ابن آدم إنما الصبر عند المصيبة وأعظم من المصيبة سوء الخلق منها يا ابن آدم أي أيام الدهر ترتجي يوم يجيء في عتم أو يوم تستأخر عاقبته عن أوان مجيئة فانظر إلى الدهر تجده ثلاثة أيام يوم مضى لا ترجوه ويوم لا بد منه ويوم يجيء لا تأمنه فأمس شاهد عليك مقبول وأمين مؤد وحكيم مؤدب قد فجعك بنفسه وخلف فيك حكمته واليوم صديق مودع كان طويل الغيبة عنك وهو سريع الظعن إياك ولم يأته وقد مضى قبله شاهد عدل فإن كان ما فيه لك فاشفعه بمثله أو ثق لك باجتماع شهادتهما عليك يا ابن آدم إنما أهل الدنيا سفر لا يحلون عقد رحالهم إلا في غيرها وإنما يتبلغون بالعوارى فما أحسنه يعني الشكر للمنعم والتسليم للمعاد يا ابن آدم إنما الشيء من مثله وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله إنما يقر الفرع بعد الأصل يا ابن آدم إنه لا أعظم رزية في عقله ممن ضيع اليقين وأخطأ العمل أيها الناس إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن وسنبلى ثم نعود الا وإنما العواري اليوم والهنات غدا ألا وإنه قد تقارب منا سلب فاحش أو عطاء جزيل فأصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ايها الناس إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيها المنايا وإن ما أنتم فيه من دنياكم نهب للمصائب لا تنالون فيها نعمة إلا بفراق الأخرى ولا يستقبل منكم معمر يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله ولا يتخذ له زيادة في ماله إلا بنفاد ما قبله من رزقه ولا يحيى له أثر إلا مات له أثر نسال الله أن يبارك لنا ولكم فيما مضى من هذه العظة
وقال قتيبة بن سعيد حدثنا كثير بن هشام حدثنا جعفر بن مروان عن وهب بن منبه عن طريق ولم تستقم لسائقها وإن فتر سائقها حزنت ولم تتبع قائدها فإذا اجتمعا استقامت طوعا أو كرها ولا تستطيع الدين إلا بالطوع والكره وإن كان كلما كره الإنسان شيئا من دينه تركه أرشك أن لا يبقى معه من دينه شيء وقال وهب إن من حكمة الله عز وجل أنه خلق الخلق مختلفا خلقه ومقاديره فمنه خلق يدوم ما دامت الدنيا لا تنقصه الأيام ولا تهرمه وتبليه ويموت ومنه خلق لا يطعم ولا يرزق ومنه خلق يطعم ويرزق خلقه الله وخلق معه رزقه ثم خلق الله من ذلك خلقا في البر وخلقا في البحر ثم جعل رزق ما خلق في البحر وفي البر ولا ينفع رزق دواب البر دواب البحر ولا رزق دواب البحر دواب البر لو خرج ما في البحر إلى البر هلك ولو دخل ما في البر إلى البحر هلك ففي ذلك ممن خلق الله في البر والبحر عبرة لمن أهمته قسمة الأرزاق والمعيشة فليعتبر ابن دم فيما قسم الله من الأرزاق فإنه لا يكون فيها شيء إلا كما قسمه سبحانه بين خلقه لا يستطيع أحد أن يغيرها ولا أن يخلطها كما لا تستطيع دواب البر أن تعيش بأرزاق دواب البحر ولا دواب البحر بأرزاق دواب البر ولو اضطرت إليه هلكت كلها فإذا استقرت كل دابة منها فيما رزقت أصلحها ذلك وأحياها وكذلك ابن آدم إذا استقر وقنع بما قسم الله له من رزقه أحياه ذلك واصلحه فإذا تعاطى رزق غيره نقصه ذلك وضره وفضحه
وقال لعطاء الخراساني كان العلماء قبلكم قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم فكانوا لا يلتفتون إلى أهل الدنيا ولا إلى ما في أيديهم فكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبة في علمهم فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في الدنيا فأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم فإياك يا عطاء وأبواب السلطان فإن عند أبوابهم فتنا كمبارك الإبل لا تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك مثله
وقال إبراهيم الجنيد حدثنا عبدالله بن أبي بكر المقدمي حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا عمر بن عبدالرحمن الصنعاني قال سمعت وهب بن منبه يقول لقى عالم عالما هو فوقه في العلم فقال كيف صلاتك فقال ما أحسب أحدا سمع بذكر الجنة والنار يأتى عليه ساعة لا يصلي فيها قال فكيف ذكرك للموت قال ما ارفع قدما ولا أضع أخرى إلا رأيت أني ميت فقال فكيف صلاتك أنت أيها الرجل فقال إني لأصلي و أبكي حتى ينبت العشب من دموعتي فقال العالم أما إنك إن تضحك وأنت معترف بخطيئتك خير لك من أن تبكي وأنت مدل بعلمك فإن المدل لا يرفع له عمل فقال أوصني فإني أراك حكيما فقال ازهد في الدنيا ولا نازع أهلها فيها وكن فيها كالنخلة إن
أكلت أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا وإن وقعت على عدو لم تكسره وانصح لله نصح الكلب لأهله فانهم يجيعونه ويطردونه ويضربونه وهو يأبى إلا أن يحوطهم ويحفظهم وينصح لهم فكان وهب إذا ذكر هذا الحديث قال واسوأناه اذا كان الكلب أنصح لأهله منك يا ابن آدم لله عز وجل وفي رواية أنه قال إنى لأصلى حتى ترم قدماى فقال له إنك ان تبيت تائبا وتصبح نادما خير لك من أن تبيت قائما وتصبح معجبا إلي آخره وروى سفيان عن رجل من أهل صنعاء عن وهب فذكر الحديث كما تقدم
وقال عثمان بن أبى شيبه حدثنا محمد بن عمران بن أبى ليلي حدثنا الصلت بن أبى عاصم المرادى عن أبيه عن وهب قال لما أهبط آدم من الجنه استوحش لفقد أصوات الملائكة فهبط عليه جبريل فقال يا آدم ألا أعلمك شيئا تنفع به في الدنيا والآخرة قال بلي قال قل اللهم تمم لي النعمة حتى تهنيئ المعيشة اللهم اختم لى بخير حتي لا تضرنى ذنوبى اللهم اكفى مؤنةالدنيا وكل هول في القيامة حتي تدخلنى الجنة في عافية
وقال عبد الرزاق حدثنى بكار بن عبد الله عن وهب قال قرأت في بعض الكتب فوجدت الله تعالى يقول يا ابن آدم ما أنصفتنى تذكر بى وتنسانى وتدعو إلى وتفر منى خيرى اليك نازل وشرك الى صاعد ولا يزال ملك كريم قد نزل اليك من أجلك يا ابن آدم إن أحب ما تكون إلي وأقرب ما تكون منى إذا رضيت بما قسمت لك وأبغض ما تكون الى وأبعد ما تكون منى إذا سخطت بما قسمت لك يا ابن آدم أطعني فيما أمرتك ولا تعلمني بما يصلحك إني عالم بخلقي وأنا أعلم بحاجتك التي ترفعك من نفسك إني إنما أكرم من أكرمني وأهين من هان عليه أمري لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر العبد في حقي وقال وهب قرأت نيفا وتسعين كتابا من كتب الله تعالى فوجدت في جميعها أن من وكل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر وقال لا يسكن ابن آدم إن الله هو قسم الأرزاق متفاضلة ومختلفة فإن تقلل ابن آدم شيئا من رزقه فليزدد إلى الله رغبة ولا يقولن لو أطلع الله على هذا من حالي أو شعر به غيره فكيف لا يطلع على شيء الذي خلقه وقدره أو يعتبر ابن آدم في غير ذلك مما يتفاضل فيه الناس كأن الله فاضل بينهم في الأجسام والأموال والألوان والعقول والأحلام فلا يكبر علىابن آدم أن يفضل عليه في الرزق والمعيشة ولا يكبر عليه أن يفضل عليه في الحلم والعلم والعقل والدين أولا يعلم ابن آدم أن الذي رزقه في ثلاثة أزمان من عمره لم يكن له في واحد منها كسب ولا حيلة أنه سوف يرزقه في الزمن الرابع أول زمان من أزمانه حين كان في بطن أمه يخلق فيه ويرزق من غير مال كسبه وهو في قرار مكين لا يؤذيه فيه حر ولا برد ولا شيء ولا هم ولا حزن وليس له هناك يد تبطش
ولا رجل تسعى ولا لسان ينطق فساق الله عز وجل إليه رزقه هناك على أتم الوجوه وأهناها وأمراها ثم إن الله عز وجل أراد أن يحوله من تلك المنزلة إلى غيرها ويحدث له في الزمن الثاني رزقا من أمه يكفيه ويغنيه من غير حول منه ولا قوة ولابطش ولا سمعة بل تفضلا من الله وجودا ورزقا أجراه وساقه إليه ثم أراد الله سبحانه أن ينقله من الزمن الثاني إلى الزمن الثالث من ذلك اللبن إلى رزق يحدثه له من كسب أبويه بأن يجعل له الرحمة في قلوبهما حتى يؤثراه على نفسهما بكسبهما ويغنياه ويغذياه بأطيب ما يقدران عليه من الأغذية وهو لا يعينهما على شيء من ذلك بكسب ولا حيلة حتى إذا عقل حدث نفسه بأنه إنما يرزق بحيلته ومكسبه وسعيه ثم يدخل عليه في الزمن الرابع إساءة الظن بربه عز وجل فيضيع أوامر الله في طلب المعاش وزيادة المال وكثرته وينظر إلى أبناء الجنس وما عليه من التنافس في طلب الدنيا فيكسب بذلك ضعف اليقين والإيمان ويمتلئ قلبه فقرا وخوفا منه مع المتاع ويبتلى بموت القلب وعدم العقل ولو نظر ابن آدم نظر معرفة وعقل لعلم أنه لن يغنيه في الزمن الرابع إلا من أغناه ورزقه في الأزمان الثلاثة قبل فلا مقال له ولا معذرة مما سلط عليه في الزمان الرابع إلا برحمة الله فإن ابن آدم كثير الشك يقصر به حكمه وعلمه عن علم الله والتفكر في أمره ولو تفكر حتى يفهم وتفهم حتى يعلم علم أن علامة الله التي بها يعرف خلقه الذي خلق ثم رزقه لما خلق وقدره لما قدر
وقال عطاء الخراساني لقيت وهبا في الطريق فقلت حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز فقال أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام يا داود أما وعزتي وعظمتي لا ينتصر بي عبد من عبادي دون خلق أعلم ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له منهن فرجا ومخرجا أما وعزتى وجلالي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعلم ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات من يده وأسخت الأرض من تحته ولا أبالي في أي واد هلك
وقال أبو بلال الأشعري عن أبي هشام الصنعاني قال عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول وجدت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول كفاني للعبد مآلا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني وأستجيب له من قبل أن يدعوني فإني أعلم بحاجته التي رفق به من نفسه وقال قرأت في بعض الكتب أن الشيطان لم يكابد شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل لأنه إذا كان مؤمنا عاقلا ذا بصيرة فهو أثقل على الشيطان من الجبال الصم أنه ليزالل المؤمن العاقل فلا يستطيعه فيتحول عنه إلى الجاهل فيستأمره ويتمكن من قياده وقال قام موسى عليه السلام فلما رأته بنو إسرائيل قاموا فقال على مكانكم ثم ذهب إلى الطور فإذا هو بنهر ابيض
فيه مثل رؤس الكثبان كافور محفوف بالرياحين فلمارآه أعجبه فدخل عليه فاغتسل وغسل ثوبه ثم خرج وجفف ثوبه ثم رجع إلى الماء فاستنضح فيه إلى أن جف ثوبه فلبسه ثم أخذ نحو الكثيب الآخر الذي فوق الطور فإذا هو برجلين يحفران قبرا فقام عليهما فقال ألا أعينكما قالا بلى فنزل فحفر فقال لهما لتحدثاني مثل من الرجل فقالا على طولك وهيئتك فاضطجع فيه لنظروا فالتأمت عليه الأرض فلم ينظر إلى قبر موسى عليه السلام إلا الرخم فأصمها الله وأبكمها وقال يقول الله عز وجل لولا أني كتبت النتن على الميت لحبسه الناس في بيوتهم ولولا أني كتبت الفساد على اللحم لحرمه الأغنياء على الفقراء
وقال مر عابد براهب فقال له منذ كم أنت في هذه الصومعة قال منذ ستين سنة قال وكيف صبرت فيها ستين سنة قال مر فان الزمان يمر وإن الدنيا تمر ثم قال له يا راهب كيف ذكرك للموت قال ما أحسب عبدا يعرف الله تأتى عليه ساعة إلا يذكر الموت فيها وما أرفع قدما إلا وأنا أظن أن لا أضعها حتى أموت وما أضع قدما إلا وأنا أظن أن لا أرفعها حتى أموت فجعل العابد يبكي فقال له الراهب هذا بكاؤك إذا خلوت أو قال كيف أنت إذا خلوت فقال العابد إني لأبكي عند إفطاري فأشرب شرابي بدموعي ويصرعني النوم فأبل متاعي بدموعي فقال له الراهب إنك إن تضحك وأنت معترف بذنبك خير لك من أن تبكي وأنت مدل على الله بعلمك فقال أوصني بوصية قال كن في الدنيا بمنزلة النخلة إن أكلت أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا وإن سقطت على شيء لم تضره ولا تكن في الدنيا بمنزلة الحمار إنما همته أن يشبع ثم يرمي بنفسه في التراب وأنصح لله نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه وهو يأبى إلا أن يحرسهم ويحفظهم قال أبو عبد الرحمن أشرس وكان طاوس إذا ذكر هذا الحديث بكى وقال عز علينا أن تكون الكلاب أنصح لأهلها منا لمولانا عز وجل وقد تقدم نحو هذا المتن
وقال وهب تخلى راهب في صومعته في زمن المسيح فأراد إبليس أن يكيده فلم يقدر عليه فأتاه بكل مراد فلم يقدر عليه فأتاه متشبها بالمسيح فناداه أيها الراهب أشرف علي أكلمك فأنا المسيح فقال إن كنت المسيح فمالي إليك من حاجة أليس قد أمرتنا بالعبادة ووعدتنا القيامة انطلق لشأنك فلا حاجة لي فيك قال فذهب عنه الشيطان خاسئا وهو حسير فلم يعد إليه ومن طريق أخرى عنه قال أتى إبليس راهبا في صومعته فاستفتح عليه فقال له من أنت قال أنا المسيح فقال الراهب والله لئن كنت إبليس لأخلون بك ولئن كنت المسيح فما عسى أن أصنع بك اليوم شيئا لقد بلغتنا رسالة ربك عز وجل فقبلناها عنك وشرعت لنا الدين
فنحن عليه فاذهب فلست بفاتح لك فقال صدقت أنا إبليس ولا أريد إضلالك بعد اليوم أبدا فسلني عما بدا لك أخبرك به قال وأنت صادق قال لا تسألني عن شيء إلا صدقتك فيه قال فأخبرني أي أخلاق بني آدم أوثق في أنفسكم أن تضلوهم به قال ثلاثة أشياء الجدة والشح والشكر وقال وهب قال موسى يارب أي عبادك قال من لا تنفعه موعظة ولا يذكرني إذاخلا قال إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه قال يا موسى أظله يوم القيامة بظل عرشي وأجعله في كنفي وقال وهب لقى عالم عالما هو فوقه في العلم فقال له رحمك الله ما هذا البناء الذي لا إسراف فيه قال ما سترك من الشمس وأكنك من الغيث قال فما هذا الطعام الذي لا إسراف فيه قال فوق الجوع دون الشبع من غير تكلف قال فما هذا اللباس الذي لا إسراف فيه قال هو ما ستر العورة ومنع الحر والبرد من غير تنوع ولا تلون قال فما هذا الضحك الذي لا إسراف فيه قال هو ما أسفر وجهك ولا يسمع صوتك قال فما هذا البكاء الذي لا إسراف فيه قال لا تمل من البكاء من خشية الله عز وجل ولا تبك على شيء من الدنيا قال كم أخفي من عملي قال ما أظن بك أنك لم تعمل حسنة قال ما أعلن من عملي قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يأتم بك الحريص واحذر النظر إلى الناس وقال لكل شيء طرفان ووسط فإذا أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر وإذا أمسكت بالوسط اعتدلا فعليكم بالوسط من الأشياء وقال أربعة أحرف في التوراة من لم يشاور يندم ومن استغني استأثر والفقر الموت الأحمر وكما تدين تدان ومن تجر فجر
وقال عبدالله بن المبارك حدثنا بكار بن عبدالله أنه سمع وهب بن منبه يقول كان رجل من أفضل أهل زمانه وكان يزار فيعظهم فاجتمعوا إليه ذات يوم فقال إنا قد خرجنا عن الدنيا وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطغيان وقد خفنا أن يكون قد دخل علينا في حالنا هذه من الطغيان أعظم وأكثر مما يدخل على أهل الأموال في أموالهم وعلى الملوك في ملكهم أرانا يحب أحدنا أن تقضي له الحاحه وإذا اشترى شيئا أن يحابي لمكان دينه وأن بعظم إذا لقى الناس لمكان دينه وجعل يعدد آفات العلماء والعباد الذين يدخل عليهم في دينهم من حب الشرف والتعظم قال فشاع ذلك الكلام عنه حتى بلغ مكل ملك البلاد فعجب منه الملك وقال لرؤس دولته ينبغي لهذا أن يزار ثم اتعدوا لزيارته يوما فركب إليه الملك ليسلم عليه فأشرف العابد وكان عالما جيد العلم بآفات العلوم والأعمال ودسائس النفوس فرأى الأرض التي تحت مكانه قد سدت الخيل والفرسان فقال ماهذا فقيل له هذا الملك قاصد إليك يسلم عليك لما بلغه من حسن كلامك
فقال إنا لله وما أصنع به هلكنا والله إن لم نلقن الحجة من عند الله مع هذا الرجل وينصرف عنا وهو ماقت لنا ثم سأل خادمه هل عندك طعام قال نعم قال فأت به فضعه بين أيدينا قال هو شيء من ثمر الشجر وهو شيء من بقل وزيتون قال فأت به فأتى به ثم أمر بجماعته فاجتمعوا حول ذلك الطعام فقال إذا دخل عليكم هذا الرجل فلا يلتفت أحد منكم إليه ولا يقم له أحد وأقبلوا على الأكل العنيف ولا يرفع أحد منكم رأسه لعل الله أن يصرفه عنا وهو كاره لنا فأتى أخاف الفتنة والشهرة وامتلاء القلب منهما فلا تخلص إلا بنار حهنم قال فبكى القوم وبكى ذلك الرجل العالم فلما اقترب الملك من جبلهم الذي هم فيه ترجل الملك ومن معه من أعيان دولته وصعد في الجبل فلما وصل إلى قرب مكانهم أخذوا في الأكل العنيف فدخل عليهم الملك وهم يأكلون فلم يرفعوا رؤسهم إليه وجعل ذلك العالم الفاضل يلف البقل مع الزيتون مع الكسرة الكبيرة من الخبز ويدخلها في فمه فسلم عليهم الملك وقال أيكم العابد فأشاروا إليه فقال له الملك كيف أنت أيها الرجل فقال له كالناس وهو يأكل ذلك الأكل العنيف فقال الملك ليس عند هذا خير ثم أدبر الملك خارجا عنه وقال ما عند هذا من علم فلما نزل الملك من الجبل نظر إليه العابد من كوة وقال أيها الملك الحمد لله الذي صرفك عني وأنت لي كاره أو قال الحمد لله الذي صرفك عني بما صرفك به وفي روابة ذكر ابن المبارك أنه قال الحمد لله الذي صرفه عني وهو لي لائم
وفي رواية أن هذا العابد كان ملكا وكان قد زهد في الدنيا وتركها لأنهكان قد دخل عيه رجل من بقايا أهل الجنة والعمل الصالح فوعظه فاتعد معه أن يصحبه وأنه يخرج عن الملك طلبا لما عنده في الدار الآخرة وأنه وافقه جماعة من بنيه وأهله ورؤس دولته فخرجوا برمتهم لا يدري أحد أين ذهبوا وكان هذا الملك من أهل العدل والخير والخوف من الله عز وجل وكان متسع الملك والمملكة كثير الأموال والرجال فساروا حتى أتوا جبلا في أطراف مملكته كثير الشجر والمياه فأقاموا به حينا فقال الملك إن نحن طال أمرنا ومقامنا في هذا الجبل سمع بنا الناس من أهل مملكتنا فلا يدعونا وإني أرى أن نذهب إلى غير مملكتنا فننزل مكانا بعيدا عن الناس لعل أن نسلم منهم ويسلموا منا فساروا من ذلك الجبل طالبين بلادا لا يعرفون فوجدوا بها جبلا نائيا عن الناس كثير الأشجار والمياه قليل الطوارق وإذا في ذروته عين ماء جارية وارض متسعة تزرع لمن أراد الزرع بها فنزلوا به وبنوا به أماكن للعبادة والسكنى وزرعوا لهم على ماء تلك العين بعض بقول يأتدمون بها وأشجار زيتون وجعلوا يزرعون بأيديهم ويأكلون ثم شاع أمرهم في بعض تلك البلاد القريبة من جبلهم فجعلوا يأتونهم ويزورونهم إلى أن شاع
ذلك الكلام المتقدم عن ذلك العالم فبلغ ملك تلك البلاد فقصدهم للزيارة فذكر القصة كما تقدم والله أعلم

عدد المشاهدات *:
304449
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى

روابط تنزيل : فصل
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصل لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
البداية و النهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى


@designer
1