الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ، ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ؛ وختمهم بمحمد صلى الله عليه و سلم الذي أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ؛ وأيده بالسلطان النصير ، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة ؛ ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة خالصة أخلص من الذهب الإبريز ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ، شهادة يكون صاحبها في حرز حريز .
(أما بعد) فهذه رسالة مختصرة (1) فيها جوامع من السياسة الإلهية والآيات النبوية ، لا يستغني عنها الراعي والرعية ، اقتضاها من أوجب الله نصحه من ولاة الأمور ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم فيما ثبت عنه من أبي ذِرأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
{ إن الله يرضى لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم } (2) .
وهذه الرسالة مبنية على آيتين في كتاب الله : وهما قوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا 58 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 59 } (3) (سورة النساء : الآيتان 58 ، 59)
قال العلماء : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور ؛ عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ؛ إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله ، قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 2 } (4) (سورة المائدة : من الآية 2) .
وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل : فهذان جماع السياسة العادلة ، والولاية الصالحة .

13702

0

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 13/05/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/05/2013