|
|
الشريعة الإسلامية
العقائد و الفرق
|
إسم الموضوع : 8436 22 - الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى
التاريخ : 01/06/2012
الساعة : 21:09:00
|
أ.عبد العزيز
أخر تواجد :
17:07 -- 23/06/2024
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6470
|
الدليل رقم 2 : الله وحده لاشريك له هو الذي يحيي و يميت.
بسم الله الرحمن الرحيم :
قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى :
يمجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك، أي:هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله. ولهذا قال: ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
ثم قال: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) واستدل بهذه الآية من قال:إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق. ومعنى الآية:أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا؟ كما قال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [ البقرة:28 ] فسمى الحال الأول - وهو العدم- موتًا، وسمى هذه النشأة حياة. ولهذا قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [ البقرة:28 ] .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا خُلَيْد، عن قتادة في قوله: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء » .
ورواه مَعْمَر، عن قتادة .
وقوله: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي:خير عملا كما قال محمد بن عَجْلان:ولم يقل أكثر عملا.
ثم قال: ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) أي:هو العزيز العظيم المنيع الجناب، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن كان تعالى عزيزا، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز.
ثم قال: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي:طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.
وقوله: ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) أي:بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛ ولهذا قال: ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي:انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟.
قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والثوري، وغيرهم في قوله: ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي:شقوق.
وقال السدي: ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي:من خُروق. وقال ابن عباس في رواية: ( مِنْ فُطُورٍ ) أي:من وُهِيّ وقال قتادة: ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي:هل ترى خَلَلا يا ابن آدم؟.
وقوله: ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال:مرتين. ( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ) قال ابن عباس:ذليلا؟ وقال مجاهد، وقتادة:صاغرًا.
( وَهُوَ حَسِيرٌ ) قال ابن عباس:يعني:وهو كليل. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي:الحسير:المنقطع من الإعياء.
ومعنى الآية:إنك لو كررت البصر، مهما كررت، لانقلب إليك، أي:لرجع إليك البصر، ( خَاسِئًا ) عن أن يرى عيبًا أو خللا ( وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي:كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا.
ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال: ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت.
التوقيع :
خير الناس أنفعهم للناس
|
|
|
|
رقم المشاركة : 6
مشاركة ل الزاهد الورع
إسم الموضوع : 8436 22 - الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى
التاريخ : 03/06/2012
الساعة : 21:09:00
|
الزاهد الورع
أخر تواجد :
13:43 -- 28/10/2013
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6475
|
فصل في الموت الصغرى :
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى :
يقول - تعالى ذكره - : ومن الدلالة على أن الألوهة لله الواحد القهار خالصة - دون كل ما سواه - أنه يميت ويحيي ، ويفعل ما يشاء ، ولا يقدر على ذلك شيء سواه ، فجعل ذلك خبرا نبههم به على عظيم قدرته ، فقال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) فيقبضها عند فناء أجلها ، وانقضاء مدة حياتها ، ويتوفى - أيضا - التي لم تمت في منامها ، كما التي ماتت عند مماتها ( فيمسك التي قضى عليها الموت )
ذكر أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام ، فيتعارف ما شاء الله منها ، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها ، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى وذلك إلى انقضاء مدة حياتها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) . . . الآية . قال : يجمع بين أرواح الأحياء وأرواح الأموات ، فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى إلى أجسادها .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط [ ص: 299 ] عن السدي في قوله : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) قال : تقبض الأرواح عند نيام النائم ، فتقبض روحه في منامه ، فتلقى الأرواح بعضها بعضا : أرواح الموتى وأرواح النيام ، فتلتقي فتساءل . قال : فيخلى عن أرواح الأحياء ، فترجع إلى أجسادها ، وتريد الأخرى أن ترجع ، فيحبس التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى قال : إلى بقية آجالها .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) قال : فالنوم وفاة ( فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى ) التي لم يقبضها ( إلى أجل مسمى ) .
وقوله : ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) يقول - تعالى ذكره - : إن في قبض الله نفس النائم والميت وإرساله بعد نفس هذا ترجع إلى جسمها ، وحبسه لغيرها عن جسمها لعبرة وعظة لمن تفكر وتدبر ، وبيانا له أن الله يحيي من يشاء من خلقه إذا شاء ، ويميت من شاء إذا شاء .
التوقيع :
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
|
|
|
|
إسم الموضوع : 8436 22 - الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى
التاريخ : 04/06/2012
الساعة : 21:09:00
|
أ.عبد العزيز
أخر تواجد :
17:07 -- 23/06/2024
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6470
|
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله ـ باختصار ـ :
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود رضي الله عنه - قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة ، وهو متوكئ على عسيب ، فمر بقوم من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . فقال بعضهم : لا تسألوه . قال : فسألوه عن الروح فقالوا يا محمد ، ما الروح ؟ فما زال متوكئا على العسيب ، قال : فظننت أنه يوحى إليه ، فقال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) [ ص: 114 ]
فقال بعضهم لبعض : قد قلنا لكم لا تسألوه .
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش ، به . ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث ، وهو متوكئ على عسيب ، إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فقال : ما رابكم إليه . وقال بعضهم : لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه . فقالوا سلوه فسألوه عن الروح ، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) الآية .
وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية ، وأنها إنما نزلت حين سأله اليهود ، عن ذلك بالمدينة ، مع أن السورة كلها مكية . وقد يجاب عن هذا : بأنه قد يكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك ، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي هذه الآية : ( ويسألونك عن الروح ) ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال الإمام أحمد :
حدثنا قتيبة ، حدثنا يحيى بن زكريا ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قالت قريش ليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل . فقالوا : سلوه عن الروح . فسألوه ، فنزلت : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) قالوا : أوتينا علما كثيرا ، أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا . قال : وأنزل الله : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) [ الكهف : 109 ] .
وقد روى ابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن داود ، عن عكرمة قال : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، فأنزل الله : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقالوا يزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة ، وهي الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ؟ [ البقرة : 269 ] قال : فنزلت : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] . قال : ما أوتيتم من علم ، فنجاكم الله به من النار ، فهو كثير طيب وهو في علم الله قليل .
وقال محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، أتاه أحبار يهود . وقالوا يا محمد ، ألم [ ص: 115 ] يبلغنا عنك أنك تقول : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) أفعنيتنا أم عنيت قومك ؟ فقال : " كلا قد عنيت " . قالوا : إنك تتلو أنا أوتينا التوراة ، وفيها تبيان كل شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم ما إن عملتم به استقمتم " ، وأنزل الله : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) [ لقمان : 27 ] .
وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا على أقوال :
أحدها : أن المراد [ بالروح ] : أرواح بني آدم .
قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( ويسألونك عن الروح ) الآية ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن الروح ؟ وكيف تعذب الروح التي في الجسد ، وإنما الروح من الله ؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيء ، فلم يحر إليهم شيئا . فأتاه جبريل فقال له : ( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقالوا : من جاءك بهذا ؟ فقال : " جاءني به جبريل من عند الله ؟ " فقالوا له : والله ما قاله لك إلا عدو لنا . فأنزل الله : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [ مصدقا لما بين يديه ] ) الآية [ البقرة : 97 ] .
....
وقوله : ( قل الروح من أمر ربي ) أي : من شأنه ، ومما استأثر بعلمه دونكم ؛ ولهذا قال : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) أي : وما أطلعكم من علمه إلا على القليل ، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى .
والمعنى : أن علمكم في علم الله قليل ، وهذا الذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر به تعالى ، ولم يطلعكم عليه ، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى . وسيأتي إن شاء الله في قصة موسى والخضر : أن الخضر نظر إلى عصفور وقع على حافة السفينة ، فنقر في البحر نقرة ، أي : شرب منه بمنقاره ، فقال : يا موسى ، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر . أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه ؛ ولهذا قال تبارك وتعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
وقال السهيلي : قال بعض الناس : لم يجبهم عما سألوا ؛ لأنهم سألوا على وجه التعنت . وقيل : أجابهم ، وعول السهيلي على أن المراد بقوله : ( قل الروح من أمر ربي ) أي : من شرعه ، أي : فادخلوا فيه ، وقد علمتم ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة ، وإنما ينال من جهة الشرع . وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر ، والله أعلم .
ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس ، أو غيرها ، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء ، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر . وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن ، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم ، فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء . قال : كما أن الماء هو حياة الشجر ، ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسما خاصا ، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطارا أو خمرا ، ولا يقال له : " ماء " حينئذ إلا على سبيل المجاز ، وهكذا لا يقال للنفس : " روح " إلا على هذا النحو ، وكذلك لا يقال للروح : نفس إلا باعتبار ما تئول إليه . فحاصل ما يقول أن الروح أصل النفس ومادتها ، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن ، فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن ، والله أعلم .
قلت : وقد تكلم الناس في ماهية الروح وأحكامها وصنفوا في ذلك كتبا . ومن أحسن من تكلم على ذلك الحافظ ابن منده ، في كتاب سمعناه في : الروح .
التوقيع :
خير الناس أنفعهم للناس
|
|
|
|
إسم الموضوع : 8436 22 - الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى
التاريخ : 04/06/2012
الساعة : 21:09:00
|
أ.عبد العزيز
أخر تواجد :
17:07 -- 23/06/2024
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6470
|
سُئِلَ شيخُ الإِسْلام أَبُو العَبَّاس ابن تَيْمِية ـ رحمه الله ـ عـن [الروح]، هل هي قديمة، أو مخلوقة؟ وهل يُبدَّع من يقول بقدمها أم لا؟ وما قول أهل السنة فيها، وما المراد بقوله عز وجل: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]. هل المفوض إلى اللّه ـ تعالى ـ أمر ذاتها، أوصفاتها، أو مجموعهما؟ بينوا ذلك من الكتاب والسنة.
فأجاب ـ رضي اللَّه عَنْهُ:
الحمد للّه رب العالمين، روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة، وقد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة المسلمين، مثل محمد بن نصر المروزي، الإمام المشهور، الذي هو أعلم أهل زمانه بالإجماع والاختلاف، أو من أعلمهم.
وكذلك أبو محمد بن قتيبة، قال في كتاب [اللقط] لما تكلم على خلق الروح قال: النَّسَم: الأرواح. قال: وأجمع الناس على أن اللّه خالق الجثة، / وبارئ النسمة، أي: خالق الروح. وقال أبو إسحاق بن شاقلا فيما أجاب به في هذه المسألة: سألت رحمك اللّه عن الروح مخلوقة أو غير مخلوقة، قال: هذا مما لا يشك فيه من وفق للصواب، إلى أن قال: والروح من الأشياء المخلوقة، وقد تكلم في هذه المسألة طوائف من أكابر العلماء والمشائخ، وردوا على من يزعم أنها غير مخلوقة.
وصنف الحافظ أبو عبد اللّه بن مَنْدَه في ذلك كتابًا كبيرًا في [الروح والنفس]، وذكر فيه من الأحاديث والآثار شيئًا كثيرًا، وقبله الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره، والشيخ أبو يعقوب الخراز، وأبو يعقوب النهرجوري، والقاضي أبو يعلى، وغيرهم؛ وقد نص على ذلك الأئمة الكبار، واشتد نكيرهم على من يقول ذلك في روح عيسى ابن مريم، لا سيما في روح غيره ،كما ذكره أحمد في كتابه في [الرد على الزنادقة والجهمية] فقال في أوله:
الحمد للّه الذي جعل في كل زمان فَتْرَة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب اللّه الموتى، ويبصرون بنور اللّه أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب اللّه تحريف الغالين؛ وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يقولون على اللّه، وفي اللّه، وفي كتاب / اللّه بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ باللّه من فتن المضلين، وتكلم على ما يقال: إنه متعارض من القرآن إلى أن قال:
وكذلك الجهم وشيعته، دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، وأضلوا بشرًا كثيرًا، فكان مما بلغنا من أمر الجهم ـ عدو اللّه ـ أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، كان أكثر كلامه في اللّه، فلقى أناسًا من المشركين يقال لهم [السمنية[فعرفوا الجهم، فقالوا له: نكلمك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك.
فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا: ألست تزعم أن لك إلهًا؟ قال الجهم: بلى. فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا. قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا.قالوا: فهل شممت له رائحة؟ قال: لا. قالوا له: فوجدت له مَجَسا؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير الجهم، فلم يدر من يعبد أربعين يومًا، ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح اللّه، من ذاته، فإذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه، فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء، وينهى عما شاء، وهو روح غائب عن الأبصار.
فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة، فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحًا ؟ قال بلى. قال: فهل رأيت روحك؟ قال: لا. قال: فهل سمعت / كلامه؟ قال: لا. قال: فوجدت له حسًا ومَجَسّا؟ قال: لا. قال: كذلك اللّه، لا يرى له وجه، و لا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان.
وساق الإمام أحمد الكلام في [القرآن] و[الرؤية] وغير ذلك، إلى أن قال: ثم إن الجهم ادعى أمرًا، فقال: إنا وجدنا آية في كتاب اللّه تدل على القرآن أنه مخلوق، فقلنا: أي آية؟ قال: قول اللّه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء:171] وعيسى مخلوق.
فقلنا: إن اللّه منعك الفهم في القرآن، عيسى تجرى عليه ألفاظ لا تجرى على القرآن؛ لأنه يسميه مولودًا، وطفلًا، وصبيًا، وغلامًا، يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه الوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم، ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى، هل سمعتم اللّه يقول في القرآن ما قال في عيسى ؟ ولكن المعنى في قول اللّه:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء:171] ،فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن، فكان عيسى بكن، وليس عيسى هو الكن، ولكن بالكن كان، فالكن من اللّه قول، وليس الكن مخلوقًا.
وكذب النصارى والجهمية على اللّه في أمر عيسى، وذلك أن الجهمية قالوا: عيسى روح اللّه وكلمته، إلا أن الكلمة مخلوقة، وقالت النصارى: / عيسى روح اللّه من ذات اللّه، وكلمة اللّه من ذات اللّه، كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب.
وقلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان، وليس هو الكلمة. قال: وقول اللّه: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} يقول من أمره كان الروح فيه، كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية:13]، يقول: من أمره، وتفسير روح اللّه: أنها روح بكلمة اللّه، خلقها اللّه، كما يقال: عبد اللّه، وسماء اللّه، فقد ذكر الإمام أحمد أن زنادقة النصارى هم الذين يقولون: إن روح عيسى من ذات اللّه، وبين أن إضافة الروح إليه إضافة ملك وخلق، كقولك: عبد اللّه، وسماء اللّه، لا إضافة صفة إلى موصوف، فكيف بأرواح سائر الآدميين؟ وبين أن هؤلاء الزنادقة الحلولية يقولون بأن اللّه إذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه.
وقال الشيخ أبو سعيد الخرازـ أحد أكابر المشائخ الأئمة من أقران الجنيد، فيما صنفه ـ في أن الأرواح مخلوقة، وقد احتج بأمور منها: لو لم تكن مخلوقة لما أقرت بالربوبية، وقد قال لهم حين أخذ الميثاق ـ وهم أرواح في أشباح؛ كالذر ـ: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:172]، وإنما خاطب الروح مع الجسد، وهل يكون الرب إلا لمربوب ؟ قال: ولأنها لو لم تكن مخلوقة ما كان على النصارى لوم في عبادتهم عيسى، ولا حين قالوا: إنه ابن اللّه، وقالوا: هو اللّه.
/قال: ولأنه لو كان الروح غير مخلوق ما دخلت النار، ولأنها لو كانت غير مخلوقة لما حجبت عن اللّه، ولا غيبت في البدن، ولا ملكها ملك الموت، ولما كانت صورة توصف؛ ولأنها لو لم تكن مخلوقة لم تحاسب ولم تعذب، ولم تتعبد ولم تخف، ولم ترج. ولأن أرواح المؤمنين تتلألأ وأرواح الكفار سود مثل الحمم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترتع في الجنة، وتأوى في فناء العرش)، وأرواح الكفار في برهوت [بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها].
وقال الشيخ أبو يعقوب النهرجوري: هذه الأرواح من أمر اللّه مخلوقة .خلقها اللّه من الملكوت، كما خلق آدم من التراب، وكل عبد نسب روحه إلى ذات اللّه أخرجه ذلك إلى التعطيل، والذين نسبوا الأرواح إلى ذات اللّه هم أهل الحلول الخارجون إلى الإباحة، وقالوا: إذا صفت أرواحنا من أكدار نفوسنا فقد اتصلنا، وصرنا أحرارًا، ووضعت عنا العبودية، وأبيح لنا كل شيء من اللذات من النساء، والأموال وغير ذلك. وهم زنادقة هذه الأمة وذكر عدة مقالات لها وللزنادقة .
قلت: واعلم أن القائلين بقدم الروح صنفان:
صنف من الصابئة الفلاسفة، يقولون: هي قديمة أزلية لكن ليست من / ذات الرب، كما يقولون ذلك في العقول، والنفوس الفلكية، ويزعم من دخل من أهل الملل فيهم أنها هي الملائكة.
وصنف من زنادقة هذه الأمة وضلالها ـ من المتصوفة والمتكلمة والمحدثة ـ يزعمون أنها من ذات اللّه، وهؤلاء أشرُّ قولًا من أولئك، وهؤلاء جعلوا الآدمي نصفين: نصف لاهوت، وهو روحه، ونصف ناسوت، وهو جسده، نصفه رب ونصفه عبد.
وقد كفَّر اللّه النصارى بنحو من هذا القول في المسيح، فكيف بمن يعم ذلك في كل أحد ؟ حتى في فرعون، وهامان، وقارون، وكل ما دل على أن الإنسان عبد مخلوق مربوب، وأن اللّه ربه وخالقه ومالكه وإلهه، فهو يدل على أن روحه مخلوقة .
فإن الإنسان عبارة عن البدن والروح معًا، بل هو بالروح أخص منه بالبدن، وإنما البدن مطية للروح،كما قال أبو الدرداء: إنما بدني مطيتي، فإن رفقت بها بلغتني، وإن لم أرفق بها لم تبلغني.وقد رواه ابن منده وغيره عن ابن عباس قال: لا تزال الخصومة يوم القيامة بين الخلق حتى تختصم الروح والبدن، فتقول الروح للبدن: أنت عملت السيئات، فيقول البدن للروح: أنت أمرتني، فيبعث اللّه ملكًا يقضى بينهما، فيقول: إنما مثلكما كمثل مُقْعَد وأعمى دخلاً بستانًا، فرأى المقعد فيه ثمرًا معلقًا، فقال للأعمى: إني أرى ثمرًا، ولكن / لا أستطيع النهوض إليه، وقال الأعمى: لكني أستطيع النهوض إليه ولكني لا أراه. فقال له المقعد: تعال، فاحملني حتى أقطفه، فحمله وجعل يأمره فيسير به إلى حيث يشاء فقطع الثمر. قال: الملك: فعلى أيهما العقوبة؟ فقالا:عليهما جميعًا قال: فكذلك أنتما.
وأيضًا، فقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأرواح تقبض، وتنعم وتعذب، ويقال لها: اخرجي أيتها الروح الطيبة ،كانت في الجسد الطيب، اخرجي أيتها الروح الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، ويقال للأولى: أبشري بَروْح ورَيْحان، ويقال للثانية: أبشري بحَمِيم وغَسَّاق وآخر من شكله أزواج، وأن أرواح المؤمنين تعرج إلى السماء، وأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء.
وفي صحيح مسلم عن عبد اللّه بن شَقِيق عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ قال: (إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها)، قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك؛ قال: (فيقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللّه عليك، وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل)، قال: (وإن الكافر إذا خرجت روحه)، قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعنًا، (فيقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل). قال أبو هريرة ـ رضي اللّه عنه: فلما ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم النتن رد على أنفه ريطة كانت عليه.
/ وفي حديث المعراج الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى آدم، وأرواح بنيه عن يمينه وشماله، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (فلما علونا السماء فإذا رجل عن يمينه أسْوِدَة، وعن شماله أسودة)، قال: (فإذا نظر قِبَل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى)، قال: (مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح)، قال: (قلت: يا جبريل، من هذا ؟ قال: هذا آدم صلى الله عليه وسلم ،وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى).
[والأسودة جمع سواد، وتجمع على أساود، وهي الجماعات المتفرقة، وقيل: هي جمع لـ (سواد)، وهو الشخص، كذلك؛ لأنه يرى من بعيد] وقد ثبت ـ أيضًا ـ أن أرواح المؤمنين والشهداء وغيرهم في الجنة، قال الإمام أحمد في رواية حنبل: أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة، والأبدان في الدنيا، يعذب اللّه من يشاء، ويرحم بعفوه من يشاء. وقال عبد اللّه بن أحمد: سألت أبي عن أرواح الموتى: أتكون في أفنية قبورها؟ أم في حواصل طير؟ أم تموت كما تموت الأجساد؟ فقال: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نَسَمَة المؤمن إذا مات طائر تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه).
وقد روى عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال: أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر كالزَّرَازِير[جمع زرزور، وهو نوع من العصافير]، يتعارفون فيها ويرزقون من ثمرها، قال: وقال بعض الناس: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، تأوى إلى قناديل في الجنة معلقة بالعرش.
وقد روى مسلم في صحيحه عن مسروق قال: سألنا عبد اللّه ـ يعني ابن /مسعود ـ عن هذه الآية: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث تشاء، ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء؟ ـ ففعل بهم ذلك ثلاث مرات ـ فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب ،نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا؛ حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا).
وقد قال اللّه تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27ـ30]،
فخاطبها بالرجوع إلى ربها، وبالدخول في عباده ودخول جنته، وهذا تصريح بأنها مربوبة. والنفس هنا هي الروح التي تقبض، وإنما تتنوع صفاتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ـ لما ناموا عن صلاة الفجر في السفر ـ قال: (إن اللّه قبض أرواحنا حيث شاء، وردها حيث شاء) وفي رواية: (قبض أنفسنا حيث شاء)، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر:42]، والمقبوض المتوفى هي الروح، كما في صحيح مسلم عن أم سلمة قالت: دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)، فضج ناس من أهله فقال:/(لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يُؤَمِّنُون على ما تقولون)، ثم قال: (اللّهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره، ونور له فيه).
وروى مسلم ـ أيضًا ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (ألم تروا أن الإنسان إذا مات شَخَصَ بصره؟) قالوا: بلى. قال: (فكذلك حين يتبع بصره نفسه) فسماه تارة روحًا، وتارة نفسًا.
وروى أحمد بن حنبل، وابن ماجه عن شداد بن أوس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر؛ فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا، فإنه يُؤَمَّن على ما يقول أهل الميت).
ودلائل هذا الأصل وبيان مسمى [الروح والنفس] وما فيه من الاشتراك كثير لا يحتمله هذا الجواب، وقد بسطناه في غير هذا الموضع.
فقد بان بما ذكرناه أن من قال: إن أرواح بني آدم قديمة غير مخلوقة، فهو من أعظم أهل البدع الحلولية، الذين يجر قولهم إلى التعطيل، بجعل العبد هو الرب وغير ذلك من البدع الكاذبة المضلة.
وأما قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]، فقد قيل: إن الروح هنا ليس هو روح الآدمي، وإنما هو ملك في قوله:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ:38]، /وقوله}تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]، وقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4] وقيل: بل هو روح الآدمي، والقولان مشهوران، وسواء كانت الآية تعمهما، أو تتناول أحدهما، فليس فيها ما يدل على أن الروح غير مخلوقة لوجهين:
أحدهما: أن الأمر في القرآن يراد به المصدر تارة، ويراد به المفعول تارة أخرى وهو المأمور به، كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]، وقوله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} [الأحزاب:38] وهذا في لفظ غير الأمر، كلفظ الخلق والقدرة والرحمة والكلمة وغير ذلك. ولو قيل: إن الروح بعض أمر اللّه أو جزء من أمر اللّه، ونحو ذلك مما هو صريح في أنها بعض أمر اللّه، لم يكن المراد بلفظ الأمر إلا المأمور به لا المصدر؛ لأن الروح عين قائمة بنفسها، تذهب وتجيء وتنعم وتعذب، وهذا لا يتصور أن يكون مسمى مصدر: أمر يأمر أمرًا. وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وجمهورها.
ومن قال من المتكلمين: إن الروح عرض قائم بالجسم، فليس عنده مصدر: أمر يأمر أمرًا .
والقرآن إذا سمى أمر اللّه، فالقرآن كلام [اللّه] والكلام اسم مصدر: كَلَّم يُكَلِّم تكليمًا وكلامًا، وتَكَلَّم تَكَلمًا وكلامًا. فإذا سمى أمرًا بمعنى المصدر كان ذلك مطابقًا، لا سيما والكلام نوعان: أمر وخبر.
/ أما الأعيان القائمة بأنفسها فلا تسمى أمرًا لا بمعنى المفعول به وهو المأمور به كما سمى المسيح كلمة؛ لأنه مفعول بالكلمة، وكما يسمى المقدور قدرة والجنة رحمة، والمطر رحمة، في مثل قوله: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم:50]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال للجنة: (أنت رحمتي أرحم بك من شئت)، وقوله: (إن اللَّهَ خلقَ الرحمة ـ يوم خلقها ـ مائة رحمة) ونظائر ذلك كثيرة، وهذا جواب أبي سعيد الخراز، قال: فإن قيل: قد قال تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] وأمره منه قيل: أمره ـ تعالى ـ هو المأمور به المكون بتكوين المكون له .
وكذلك قال ابن قتيبة في [كتاب المشكل]: أقسام الروح، فقال: هي روح الأجسام التي يقبضها اللّه عند الممات، والروح جبريل، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:193]، وقال:{وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة:87، 253]، أي: جبريل، والروح ـ فيما ذكره المفسرون ـ ملك عظيم من ملائكة اللّه ـ تعالى ـ يقوم وحده فيكون صفًا، وتقوم الملائكة صفًا، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]، قال: ونسب الروح إلى اللّه؛ لأنه بأمره، أو لأنه بكلمته.
والوجه الثاني: أن لفظة [من] في اللغة قد تكون لبيان الجنس، كقولهم: باب من حديد. وقد تكون لابتداء الغاية، كقولهم: خرجت من مكة، فقوله تعالى:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ليس نصًا في أن الروح بعض الأمر، ومن / جنسه، بل قد تكون لابتداء الغاية إذ كونت بالأمر، وصدرت عنه، وهذا معنى جواب الإمام أحمد في قوله: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء:171] حيث قال: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} يقول: من أمره كان الروح منه كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ{ [الجاثية:13]، ونظير هذا أيضًا قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} [النحل:53].
فإذا كانت المسخرات والنعم من اللّه، ولم تكن بعض ذاته بل منه صدرت، لم يجب أن يكون معنى قوله في المسيح: {وَرُوحٌ مِّنْهُ}؛ أنها بعض ذات اللّه، ومعلوم أن قوله: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} أبلغ من قوله: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فإذا كان قوله}وَرُوحٌ مِّنْهُ} لا يمنع أن يكون مخلوقًا، ولا يوجب أن يكون بعضًا له، فقوله: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أولى بألا يمنع أن يكون مخلوقًا، ولا يوجب أن يكون ذلك بعضًا له بل ولا بعضًا من أمره.
وهذا الوجه يتوجه إذا كان الأمر هو الأمر الذي هو صفة من صفات اللّه، فهذان الجوابان كل منهما مستقل، ويمكن أن يجعل منهما جواب مركب، فيقال: قوله: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} إما أن يراد بالأمر المأمور به، أو صفة للّه ـ تعالى ـ وإن أريد به الأول أمكن أن تكون الروح بعض ذلك، فتكون مخلوقة، وإن أريد بالأمر صفة [اللّه] كان قوله: {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} كقوله: {وَرُوحٌ مِّنْهُ}، وقوله: {جَمِيعًا مِّنْهُ} ونحو ذلك .
وإنما نشأت الشبهة حيث ظن الظان أن الأمر صفة للّه قديمة، وأن روح /بني آدم بعض تلك الصفة، ولم تدل الآية على واحد من المقدمتين، واللّه ـ سبحانه ـ أعلم .
وقد يجيء اسم الروح في القرآن بمعنى آخر، كقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52]، وقوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة:22]، ونحو ذلك. فالقرآن الذي أنزله اللّه كلامه، ولكن ليس الكلام في هذا مما يتعلق بالسؤال.
وأما قول السائل: هل المفوض إلى اللّه أمر ذاتها أو صفاتها أو مجموعهما؟ فليس هذا من خصائص الكلام في الروح، بل لا يجوز لأحد أن يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على اللّه ما لا يعلم، قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء:36]، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، وقال تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [الأعراف:169]، وقد قالت الملائكة لما قال لهم: {أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:31، 32]، وقد قال موسى للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66]، وقال الخضر لموسى ـ لما نقر العصفور في البحر ـ: ما نقص علمي وعلمك من علم اللّه، إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
/ وليس في الكتاب والسنة أن المسلمين نهوا أن يتكلموا في الروح بما دل عليه الكتاب والسنة، لا في ذاتها ولا في صفاتها، وأما الكلام بغير علم فذلك محرم في كل شيء، ولكن قد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض سكك المدينة، فقال بعضهم: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه فيسمعكم ما تكرهون، قال: فسألوه وهو متكئ على العسيب [العسيب: جريدة من النخل]، فأنزل اللّه هذه الآية.
فبين بذلك أن ملك الرب عظيم، وجنوده، وصفة ذلك، وقدرته أعظم من أن يحيط به الآدميون، وهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلًا، فلا يظن من يدعى العلم أنه يمكنه أن يعلم كل ما سئل عنه ولا كل ما في الوجود، فما يعلم جنود ربك إلا هو.
التوقيع :
خير الناس أنفعهم للناس
|
|
|
|
إسم الموضوع : 8436 22 - الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى
التاريخ : 04/06/2012
الساعة : 21:09:00
|
أ.عبد العزيز
أخر تواجد :
17:07 -- 23/06/2024
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6470
|
-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
ولكن لفظ [الروح، والنفس] يعبر بهما عن عدة معان: فيراد بالروح الهواء الخارج من البدن، والهواء الداخل فيه، ويراد بالروح البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق، وهو الذي تسميه الأطباء الروح ويسمى الروح الحيواني، فهذان المعنيان غير الروح التي تفارق بالموت التي هي النفس.
ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه كما يقال: رأيت زيدًا نفسه وعينه،وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28، 30]، وفي الحديث الصحيح أنه قال لأم المؤمنين: (لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته)، وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء: الله نفسه التي / هي ذاته المتصفة بصفاته ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ.
وقد يراد بلفظ النفس: الدم الذي يكون في الحيوان كقول الفقهاء: [ما له نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة] ومنه يقال: نفست المرأة إذا حاضت، ونفست إذا نفسها ولدها، ومنه قيل: النفساء، ومنه قول الشاعر:
تسيل على حد الظباة نفوسنا ** وليست على غير الظباة تسيل
فهذان المعنيان بالنفس ليسا هما معنى الروح، ويراد بالنفس عند كثير من المتأخرين صفاتها المذمومة، فيقال: فلان له نفس، ويقال: اترك نفسك، ومنه قول أبي مرثد: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: أي رب، كيف الطريق إليك؟ فقال: اترك نفسك. ومعلوم أنه لا يترك ذاته وإنما يترك هواها وأفعالها المذمومة، ومثل هذا كثير في الكلام،يقال: فلان له لسان، فلان له يد طويلة، فلان له قلب، يراد بذلك لسان ناطق، ويد عاملة صانعة، وقلب حي عارف بالحق مريد له، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
كذلك النفس لما كانت حال تعلقها بالبدن يكثر عليها اتباع هواها صار / لفظ [النفس] يعبر به عن النفس المتبعة لهواها أو عن اتباعها الهوى، بخلاف لفظ "الروح" فإنها لا يعبر بها عن ذلك؛ إذ كان لفظ [الروح] ليس هو باعتبار تدبيرها للبدن.
التوقيع :
خير الناس أنفعهم للناس
|
|
|
|
إسم الموضوع : 8436 22 - الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى
التاريخ : 04/06/2012
الساعة : 21:09:00
|
أ.عبد العزيز
أخر تواجد :
17:07 -- 23/06/2024
تاريخ التسجيل :
01/01/1970
عدد النقاط :
6470
|
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :
يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " فهو تعالى وحده الذي لا يموت والجن والإنس يموتون وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخرا كما كان أولا .
وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت العدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها قليلها وكثيرها كبيرها وصغيرها فلا يظلم أحدا مثقال ذرة ولهذا قال تعالى " وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ".
قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد العزيز الأويسي حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال جعفر بن محمد فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال : أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام .
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئم " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " هذا حديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه بدون هذه الزيادة .
وقد رواه بهذه الزيادة أبو حاتم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن عمرو .
هذا ورواه ابن مردويه من وجه آخر فقال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا حميد بن مسعدة أنبأنا عمرو بن علي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها " ثم تلا هذه الآية " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز "
وتقدم عند قوله تعالى " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ما رواه وكيع بن الجراح في تفسيره عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " .
وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن وكيع به وقوله تعالى " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " تصغير لشأن الدنيا وتحقير لأمرها وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى " بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى " وقال " وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى " .
وفي الحديث " والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه "
وقال قتادة في قوله تعالى " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " قال : هي متاع متروكة أوشكت والله الذي لا إله إلا هو أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم ولا قوة إلا بالله .
التوقيع :
خير الناس أنفعهم للناس
|
|
|
|
|
لكتابة موضوع جديد في نفس القسم : |
|
|
|
عدد الأعضاء المسجلين في منتدى المحجة البيضاء :390 عضو ، هؤلاء الأعضاء قاموا بتفعيل عملية التسجيل. عدد المواضيع :136 موضوع . عدد المشاركات :690 مشاركة . الموضوع الأكثر تصفحا هو : مناظرة في علو الله تعالى و استوائه على عرشه الموضوع الأكثر تصفحا هو : الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى الموضوع الأكثر تصفحا هو : برنامج تعليم الأرقام من 1 الى 100 الموضوع الأكثر تصفحا هو : المخطط الكهربائي لمحرك السيارة الموضوع الأكثر تصفحا هو : أين الله؟ الموضوع الأكثر تصفحا هو : سبعة يظلهم الله في ظله الموضوع الأكثر تصفحا هو : الوباء و الطاعون الموضوع الأكثر تصفحا هو : أخطاء تمنع من تحقيق حفظ القرآن الكريم الموضوع الأكثر تصفحا هو : ألا بذكر الله تطمئن القلوب الموضوع الأكثر تصفحا هو : الفعل المجرد يتصفح المنتدى حاليا : 1 متصفح .
|