من الأدلة على استجابة دعاء المرسلين : دعاء النبي الخاتم رسول الله صلى الله عليه و سلم
ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله تعالى في كتابه علم الإيمان ما يلي :
استجابة الله عز وجل لدعائه صلى الله عليه وآله وسلم:
ومن علامات تصديق الله لنبيه أن يجيب دعاءه إذا دعاه في عظيم المطالب ومادونها، وقد كان هذا ظاهراً في علاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بربه فما كان يخيّب دعوته، وما كان الله ليستجيب دعاء من يدعي النبوة كذباً وزوراً، بل لقد أكرم الله إتباعه صلى الله عليه وآله وسلم بإجابة دعائهم، وإن كانت دعوات غيره منها ما يستجاب له ومنها مالا يستجاب له.
وكرامات إتباعه شهادة من الله له بصدق رسالته، وإن كان فضل الله وكرمه يشمل جميع المضطرين من عباده كما قال تعالى: (فى سورة النمل الآية 62) لأن المضطر قد علم أن لا ملجأ له إلا إلى الله فيجيبه بعظيم كرمه، لكن ذلك لا يكون بصفة متكررة للكافرين ولا بصفة دائمة للمؤمنين .
أ- استجابة دعائه في الاستسقاء:
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه : أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، قَالَ أَنَسُ: ولا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ ولا قَزَعَةً ولا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ ولا دَارٍ، قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا.
ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الأمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.
ومن يملك تكوين المطر في الجو الجاف وإنزاله إلا الله سبحانه وتعالى وعلى إثر دعاء رسوله عطاءً وإمساكاً، وتلك الاستجابة الإلهية لا تكون لمن يدعي النبوة ويفتري على الله الكذب.
وفي رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينـزل عن منبره حتى وقعت قطرات من المطر على لحيته، وأنه عندما دعا الله أن يمسك المطر بقيت المدينة محاطة بالسحاب في مثل الإكليل، ولم يأت أحد من جهة من الجهات إلا حدث بالمطر الغزير وسال وادي قناة شهراً.
وقال عمر رضي الله عنه: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن الرجل ينحر بعيره فيعصر فَرْثَه فيشربه ويجعل ما بقي على كَبِدِه.
فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع لنا، فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يده فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلمت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر.
ب- استجابة دعائه صلى الله عليه وآله وسلم فيما دعا فيه:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستجاب الدعوة فيما يدعو فيه ربه من قضاء الحوائج وتفريج الكرب وشفاء المرض وتحقيق المطالب وحلول البركة، حتى تواتر هذا الأمر عنه، فكان ذلك شاهداً من حاله بتصديق الله له بإجابة دعائه: وحوادث إجابة دعائه صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة: منها: أنه لما قدم المدينة كانت من أوبأ أرض الله كما قالت عائشة رضي الله عنها فدعا الله أن ينقل حمى المدينة إلى الجحفة وأن يجعل المدينة صحيحة فكان ذلك.
ودعا الله لأم أبي هريرة أن تسلم، فلما رجع أبو هريرة إلى البيت أعلنت إسلامها.
ودعا لعبدالله بن عباس بالفقه في الدين، فأصبح أحد علماء الأمة، حتى لقب بحبر الأمة وترجمان القرآن.
ودعا لأنس بن مالك بالمال والولد والبركة في ذلك، فكان من أكثر الأنصار مالاً وولداً.
ودعا للسائب بن يزيد بالبركة، فبلغ أربعاً وتسعين سنة وهو جلد معتدل يتمتع بسمعه وبصره.
ودعا لقبيلة دوس بالهداية، فهداهم الله بعد أن أبوا الإسلام.
ودعا لأم خالد بنت خالد بن سعيد بطول العمر وهي صبية، فبقيت حتى ذكر من بقائها.
ودعا لأبي زيد بن أخطب ومسح على وجهه، فعاش مائة وعشرين سنة وليس في رأسه إلا شعرات بيض.
ودعا لعروة البارقي بالبركة في صفقة يمينه، فكان كثير الربح وكذلك عبدالله بن جعفر.
واشتكى إليه جرير بن عبدالله أنه لا يثبت على فرسه، فدعا الله له فلم يسقط عن فرس بعد ذلك.
واشتكى إليه علي بن أبي طالب ضعف الخبرة في القضاء، فدعا له بالبصيرة في القضاء، قال علي: فما شككت في قضاء بعد هذا.
ودعا له أيضاً بالشفاء من مرض ألمَّ به، قال علي : فما اشتكيت ذلك الوجع بعد.
واستأذنه شاب في الزنا فصرفه عن ذلك بأسلوب حكيم - ثم دعا له بتحصين فرجه فكان ذلك الفتى لا يلتفت إلى شيء.
ودعا لطفل صغير بالهداية عندما خير بين أبيه المسلم وأمه الكافرة فاختار أباه المسلم. ودعا الله عز وجل أن يعز الإسلام إما بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام فاستجاب الله له وهدى عمر بن الخطاب في اليوم الثاني.
ودعا لقبيلة ثقيف بالهداية، فأقبلوا مهتدين بعد أن حاربوا المسلمين.
ودعا لأصحابه يوم بدر بالرزق ففتح الله عليهم بعد ذلك.
ودعا لجُعيل الأشجعي بالبركة في فرسه وكانت عجفاء ضعيفة، فأصبحت تسابق الناس وباع مما أنتجته بمال كثير.
ودعا لأم المؤمنين أم سلمة بأن يذهب الله غيرتها، فاستجاب الله سبحانه له.
ودعا الله أن يعين أصحابه الذين توجهوا لقتل كعب بن الاشرف الذي آذى المسلمين فنجحوا في مهمتهم، رغم تحصنه وصعوبة النيل منه. إلى غير ذلك من أنواع الدعوات لمن دعا لهم.
ج- استجابة دعائه صلى الله عليه وآله وسلم على من دعا عليهم:
وقد حصل ذلك في حوادث متعددة، فمن ذلك أنه دعا على الكفار حين رأى منهم إدباراً عن الحق، فقال: اللهم سبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصت كل شئ حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع.
ودعا على سبعة من قريش كانوا يهزءون به وبالإسلام، فقال عبدالله بن مسعود إنه رآهم صرعى في قليب بدر.
ودعا على عامر بن الطفيل عندما هدد بغزو المدينة، فأصابته غدة ومات على ظهر فرسه.
ودعا على رجل تكبر وأبى أن يأكل بيمينه زاعماً أنه لا يستطيع، فقال: لا استطعت!! فما رفعها إلى فيه.
وكان ابن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: اللهم سلط عليه كلبك، فخرج إلى الشام تاجراً فنـزل منـزلاً فقال: إني أخاف دعوة محمد، فطمأنه رفاقه وناموا حوله وجعلوه وسطهم، فجاء الأسد ودخل إليه قاصداً إياه فافترسه.
إلى غير ذلك من دعواته صلى الله عليه وآله وسلم على من دعا عليهم.
وإجابة دعواته على من كفر به شهادة من الله على صدق رسالته، وعلى أن الكفر به جريمة يستحق صاحبها العقوبة.
ولقد شهد المؤمنون والكافرون إجابة الله لدعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خرق السنن المعتادة له، وفي إكرام من دعا لهم، وفي الانتقام ممن دعا عليهم.
وكان ذلك سبباً في قوة إيمان المؤمنين وفي إقناع المتشككين والكافرين برسالته، وحفظ جيل الصحابة تلك الوقائع بأسماء أصحابها وأماكنها وظروفها وأبلغوها إلى التابعين، وحملها التابعون عنهم إلى من بعدهم بتوثيق دقيق كما سبق بيانه.
ويستحيل أن يتحقق ذلك التأييد من الله لمن يدعي الكذب عليه ويفتري دعوى الرسالة وليس بمرسل