تسجيل
البريد الإلكتروني
الرقم السري
بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ;   آخر المواضيع :   كتاب "عقيدة الإسلام "إعداد الشيخ محمد يحيى المغاوري * * *  كتاب "عقيدة الإسلام "إعداد الشيخ محمد يحيى المغاوري. * * *  كتاب "أصول الفقه وقواعده "إعداد الشيخ محمد يحيى المغاوري * * *  كتاب "علم الحديث "إعداد الشيخ محمد يحيى المغاوري. * * *  كتاب"معرفة إسم الله الأعظم "إعداد الشيخ محمد يحيى المغاوري " * * *  كتاب"معرفة إسم الله الأعظم "إعداد الشيخ محمد يحيى المغاوري * * *  وجوب اجتماع كلمة المسلمين على الصيام و الإفطار * * *  القول السديد في صلاة جمعتين في مسجد واحد * * *  مناظرة في علو الله تعالى و استوائه على عرشه * * *  مناظرة في علو الله تعالى و استوائه على عرشه * * *
الشريعة الإسلامية
الحديث الشريف
الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم المشاركة :
35
مشاركة ل الحبر الترجمان
إسم الموضوع : 2469
96 - سبعة يظلهم الله في ظله
التاريخ : 09/02/2016
الساعة : 15:15:00
أ.عبد العزيز

الحبر الترجمان الحبر الترجمان

أخر تواجد :

10:45 -- 08/01/2024


تاريخ التسجيل :

01/01/1970

المواضيع

87

المشاركات

429

عدد النقاط :

6470

المستوى :
  • قال الرازي رحمه الله تعالى عند تفسير قوله تعالى :  وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض

    حتمال الثالث : ولولا دفع الله بعض الناس عن الهرج والمرج وإثارة الفتن في الدنيا بسبب البعض ، واعلم أن الدافعين على هذا التقدير هم الأنبياء عليهم السلام ، ثم الأئمة والملوك الذابون عن شرائعهم ، وتقريره : أن الإنسان الواحد لا يمكنه أن يعيش وحده ، لأنه ما لم يخبز هذا لذاك ولا يطحن ذاك لهذا ، ولا يبني هذا لذاك ، ولا ينسج ذاك لهذا ، لا تتم مصلحة الإنسان الواحد ، ولا تتم إلا عند اجتماع جمع في موضع واحد ، فلهذا قيل : الإنسان مدني بالطبع ، ثم إن الاجتماع بسبب المنازعة المفضية إلى المخاصمة أولاً ، والمقاتلة ثانياً ، فلا بد في الحكمة الإلهية من وضع شريعة بين الخلق ، لتكون الشريعة قاطعة للخصومات والمنازعات ، فالأنبياء عليهم السلام الذين أوتوا من عند الله بهذه الشرائع هم الذين دفع الله بسببهم وبسبب شريعتهم الآفات عن الخلق فإن الخلق ما داموا يبقون متمسكين بالشرائع لا يقع بينهم خصام ولا نزاع ، فالملوك والأئمة متى كانوا يتمسكون بهذه الشرائع كانت الفتن زائلة ، والمصالح حاصلة فظهر أن الله تعالى يدفع عن المؤمنين أنواع شرور الدنيا بسبب بعثة الأنبياء عليهم السلام واعلم أنه كما لا بد في قطع الخصومات والمنازعات من الشريعة فكذا لا بد في تنفيذ الشريعة من الملك ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام

    « الإسلام والسلطان أخوان توأمان » وقال أيضاً : « الإسلام أمير ، والسلطان حارس ، فما لا أمير له فهو منهزم ، وما لا حارس له فهو ضائع » ولهذا يدفع الله تعالى عن المسلمين أنواع شرور الدنيا بسبب وضع الشرائع وبسبب نصب الملوك وتقويتهم ، ومن قال بهذا القول قال في تفسير قوله : { لَفَسَدَتِ الأرض } أي لغلب على أهل الأرض القتل والمعاصي ، وذلك يسمى فساداً قال الله تعالى : { وَيُهْلِكَ الحرث والنسل والله لاَ يُحِبُّ الفساد } [ البقرة : 205 ] وقال : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى الأرض وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ من المصلحين } [ القصص : 19 ] وقال : { إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الأرض الفساد } [ غافر : 26 ] وقال : { أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى الأرض } [ الأعراف : 127 ] وقال : { ظَهَرَ الفساد فِى البر والبحر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى الناس } [ الروم : 41 ] وهذا التأويل يشهد له قوله في سورة الحج : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدّمَتْ صوامع وَبِيَعٌ لوات ومساجد } [ الحج : 40 ]

التوقيع :

خير الناس أنفعهم للناس

الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم المشاركة :
36
مشاركة ل الحبر الترجمان
إسم الموضوع : 2469
96 - سبعة يظلهم الله في ظله
التاريخ : 09/02/2016
الساعة : 15:15:00
أ.عبد العزيز

الحبر الترجمان الحبر الترجمان

أخر تواجد :

10:45 -- 08/01/2024


تاريخ التسجيل :

01/01/1970

المواضيع

87

المشاركات

429

عدد النقاط :

6470

المستوى :
  • الحديث السابق الذي ذكره الإمام الرازي رحمه الله تعالى ورد في كتاب فضيلة العاملين من الولاة لأبي نعيم :

    (حديث مرفوع) ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَمُرَةَ الْبَغَوِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ نَصْرٍ الْوَاسِطِيُّ ، ثنا سَوَادَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ مِكْنَفِ بْنِ حَاجِبٍ التَّمِيمِيُّ ، ثنا طَلابُ بْنُ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ " .

     

التوقيع :

خير الناس أنفعهم للناس

الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم المشاركة :
37
مشاركة ل الحبر الترجمان
إسم الموضوع : 2469
96 - سبعة يظلهم الله في ظله
التاريخ : 09/02/2016
الساعة : 15:15:00
أ.عبد العزيز

الحبر الترجمان الحبر الترجمان

أخر تواجد :

10:45 -- 08/01/2024


تاريخ التسجيل :

01/01/1970

المواضيع

87

المشاركات

429

عدد النقاط :

6470

المستوى :
  • فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني
    المجلد الثاني عشر
    كتاب استتابة المرتدين
    باب قتل الخوارج و الملحدين بعد إقامة الحجة عليهم
    بَاب: قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ

    فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني
    وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}
    وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
    (12/282)

    6930- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ "قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَوَاللَّهِ لاَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
    6931- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا "أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلاَهُ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ - وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ - أَوْ حَنَاجِرَهُمْ - يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنْ الدَّمِ شَيْءٌ"
    6932- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّةَ فَقَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ"
    قوله: "باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، وقول الله تعالى:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} أما الخوارج فهم جمع خارجة أي طائفة، وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين، وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في الشرح الكبير أنهم خرجوا على علي رضي الله عنه حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله أو مواطأته إياهم، كذا قال، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الأخبار فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان بل كانوا ينكرون عليه أشياء ويتبرءون منه، وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك، فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليا فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك، فبلغ عليا فخرج إليهم، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة وانتصر علي وقتل طلحة في المعركة وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق، ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان أمير الشام إذ ذاك وكان علي أرسل إليه لأن
    (12/283)

    يبايع له أهل الشام فاعتل بأن عثمان قتل مظلوما وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك، ويلتمس من علي أن يمكنه منهم، ثم يبايع له بعد ذلك، وعلي يقول ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إلى أحكم فيهم بالحق، فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبا قتال أهل الشام فخرج معاوية في أهل الشام قاصدا إلى قتاله، فالتقيا بصفين فدامت الحرب بينهما أشهرا، وكاد أهل الشام أن ينكسروا فرفعوا المصاحف على الرماح ونادوا ندعوكم إلى كتاب الله تعالى وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية، فترك جمع كثير ممن كان مع علي وخصوصا القراء القتال بسبب ذلك تدينا، واحتجوا بقوله تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الآية، فراسلوا أهل الشام في ذلك فقالوا ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك وأنكرت ذلك تلك الطائفة التي صاروا خوارج وكتب علي بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام: هذا ما قضى عليه أمير المؤمنين على معاوية فامتنع أهل الشام من ذلك وقالوا اكتبوا اسمه واسم أبيه، فأجاب علي إلى ذلك فأنكره عليه الخوارج أيضا. ثم انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان ومن معهما بعد مدة عينوها في مكان وسط بين الشام والعراق، ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع الحكم، فرجع معاوية إلى الشام، ورجع علي إلى الكوفة، ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلاف وقيل كانوا أكثر من عشرة آلاف وقيل ستة آلاف، ونزلوا مكانا يقال له حروراء بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومة، ومن ثم قيل لهم الحرورية وكان كبيرهم عبد الله ابن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري، وشبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه، ثم خرج إليهم علي، فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة معهم رئيساهم المذكوران، ثم أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك عليا فخطب وأنكر ذلك، فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال: كلمة حق يراد بها باطل، فقال لهم: لكم علينا ثلاثة: أن لا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من الفيء، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا. وخرجوا شيئا بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن، فراسلهم في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب، ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل رسوله، ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم بكفر ويباح دمه وماله وأهله، وانتقلوا إلى الفعل فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت وكان واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية وهي حامل فقتلوه وبقروا في سريته عن ولد، فبلغ عليا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام. فأوقع بهم بالنهروان، ولم ينج منهم إلا دون العشرة ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة، فهذا ملخص أول أمرهم، ثم انضم إلى من بقي منهم من مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم عبد الرحمن ابن ملجم الذي قتل عليا بعد أن دخل علي في صلاة الصبح، ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال له النجيلة ثم كانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه عبيد الله على العراق طول مدة معاوية وولده يزيد، وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل، فلما مات يزيد ووقع الافتراق وولي الخلافة عبد الله بن الزبير وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام ثار مروان فادعى الخلافة وغلب على جميع الشام إلى مصر، فظهر الخوارج حينئذ بالعراق مع نافع بن الأزرق، وباليمامة مع نجدة بن عامر
    (12/284)

    وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم، وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرا، وإن لم يكن قادرا فقد ارتكب كبيرة، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقا وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب، فمنهم من يفعل ذلك مطلقا بغير دعوة منهم، ومنهم من يدعو أولا ثم يفتك، ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على قتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم وتقلل جمعهم، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، ودخلت طائفة منهم المغرب. وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح النون بعدها فاء واسمه لوط بن يحيى كتابا لخصه الطبري في تاريخه وصنف في أخبارهم أيضا الهيثم بن عدي كتابا، ومحمد ابن قدامة الجوهري أحد شيوخ البخاري خارج الصحيح كتابا كبيرا، وجمع أخبارهم أبو العباس المبرد في كتابه "الكامل" لكن بغير أسانيد بخلاف المذكورين قبله، قال القاضي أبو بكر بن العربي: الخوارج صنفان أحدهما يزعم أن عثمان وعليا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفار، والآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدا. وقال غيره: بل الصنف الأول مفرع عن الصنف الثاني لأن الحامل لهم على تكفير أولئك كونهم أذنبوا فيما فعلوه بزعمهم. وقال ابن حزم: ذهب نجدة بن عامر من الخوارج إلى أن من أتى صغيرة عذب بغير النار، ومن أدمن على صغيرة فهو كمرتكب الكبيرة في التخليد في النار، وذكر أن منهم من غلا في معتقدهم الفاسد فأنكر الصلوات الخمس وقال: الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي، ومنهم من جوز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه. وقال أبو منصور البغدادي في المقالات: عدة فرق الخوارج عشرون فرقة. وقال ابن حزم أسوءوهم حالا الغلاة المذكورون وأقربهم إلى قول أهل الحق الأباضية، وقد بقيت منهم بقية بالمغرب وقد وردت بما ذكرته من أصل حال الخوارج أخبار جياد: منها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر وأخرجه الطبري من طريق يونس كلاهما عن الزهري قال: لما نشر أهل الشام المصاحف بمشورة عمرو بن العاص حين كاد أهل العراق أن يغلبوهم هاب أهل الشام ذلك إلى أن آل الأمر إلى التحكيم، ورجع كل إلى بلده إلى أن اجتمع الحكمان في العام المقبل بدومة الجندل وافترقا عن غير شيء، فلما رجعوا خالفت الحرورية عليا وقالوا لا حكم إلا لله، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال: لما وقع الرضا بالتحكيم ورجع علي إلى الكوفة اعتزلت الخوارج بحروراء فبعث لهم علي عبد الله بن عباس فناظرهم، فلما رجعوا جاء رجل إلى علي فقال: إنهم يتحدثون أنك أقررت لهم بالكفر لرضاك بالتحكيم، فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب المسجد لا حكم إلا لله. ومن وجه آخر أن رءوسهم حينئذ الذين اجتمعوا بالنهروان عبد الله بن وهب الراسبي وزيد بن حصن الطائي وحرقوص بن زهير السعدي، فاتفقوا على تأمير عبد الله بن وهب، وسيأتي كثر من أسانيد ما أشرت إليه بعد في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. وقال الغزالي في "الوسيط" تبعا لغيره في حكم الخوارج وجهان: أحدهما أنه كحكم أهل الردة، والثاني أنه كحكم أهل البغي، ورجح الرافعي الأول، وليس الذي قاله مطردا في كل خارجي فإنهم على قسمين: أحدهما من تقدم ذكره، والثاني من خرج في طلب الملك
    (12/285)

    لا للدعاء إلى معتقده، وهم على قسمين أيضا: قسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء أهل حق، ومنهم الحسن بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج، وقسم خرجوا لطلب الملك فقط سواء كانت فيهم شبهة أم لا وهم البغاة. وسيأتي بيان حكمهم في كتاب الفتن وبالله التوفيق. قوله: "وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله إلخ" وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: كان يراهم شرار خلق الله، انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها في المؤمنين. قلت: وسنده صحيح، وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم من حديث أبي ذر في وصف الخوارج " هم شرار الخلق والخليقة " وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا مثله، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج فقال: هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي " وسنده حسن وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وفي حديث أبي سعيد عند أحمد " هم شر البرية " وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم: "من أبغض خلق الله إليه " وفي حديث عبد الله بن خباب يعني عن أبيه عند الطبراني " شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض " وفي حديث أبي أمامة نحوه، وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي برزة مرفوعا في ذكر الخوارج " شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا " وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة " هم شر الخلق " وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم. ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث: الحديث الأول حديث علي قوله: "حدثنا خيثمة" بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما تحتانية ساكنة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي، لأبيه ولجده صحبة، ووقع في رواية سهل ابن بجر عن عمر بن حفص بهذا السند حدثني بالإفراد أخرجه أبو نعيم ولم يصرح بالتحديث فيه إلا حفص بن غياث، فقد أخرجه مسلم من رواية وكيع وعيسى بن يونس والثوري وجرير وأبي معاوية، وتقدم في علامات النبوة وفضائل القرآن من رواية سفيان الثوري، وهو عند أبي داود والنسائي من رواية الثوري أيضا، وعند أبي عوانة من رواية يعلى بن عبيد، وعند الطبري أيضا من رواية يحيى بن عيسى الرملي وعلي بن هشام كلهم عن الأعمش بالعنعنة، وذكر الإسماعيلي أن عيسى بن يونس زاد فيه رجلا فقال عن الأعمش حدثني عمرو بن مرة عن خيثمة. قلت: لم أر في رواية عيسى عند مسلم ذكر عمرو بن مرة وهو من المزيد في متصل الأسانيد، لأن أبا معاوية هو الميزان في حديث الأعمش. قوله: "سويد بن غفلة" بفتح المعجمة والفاء مخضرم من كبار التابعين، وقد قيل إن له صحبة، وتقدم بيان ذلك في أواخر فضائل القرآن. قوله: "قال علي" هو على حذف " قال: "وهو كثير في الخط والأولى أن ينطق به، وقد مضى في آخر فضائل القرآن من رواية الثوري عن الأعمش بهذا السند قال: "قال علي " وعند النسائي من هذا الوجه عن علي، قال الدار قطني: لم يصح لسويد بن غفلة عن علي مرفوع إلا هذا. قلت: وماله في الكتب الستة ولا عند أحمد غيره، وله في المستدرك من طريق الشعبي عنه قال: "خطب علي بنت أبي جهل " أخرجه من طريق أحمد عن يحيى بن أبي زائدة عن زكريا عن الشعبي، وسنده جيد، لكنه مرسل لم يقل فيه: "عن علي". قوله: "إذا حدثتكم" في رواية يحيى بن عيسى سبب لهذا الكلام، فأول الحديث عنده عن سويد بن غفلة قال: "كان علي يمر بالنهر وبالساقية فيقول: صدق الله ورسوله " فقلنا يا أمير المؤمنين ما تزال تقول هذا قال إذا حدثتكم إلخ، وكان علي
    (12/286)

    في حال المحاربة يقول ذلك، وإذا وقع له أمر يوهم أن عنده في ذلك أثرا، فخشي في هذه الكائنة أن يظنوا أن قصة ذي الثدية من ذلك القبيل فأوضح أن عنده في أمره نصا صريحا، وبين لهم أنه إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكنى ولا يعرض ولا يوري، وإذا لم يحدث عنه فعل ذلك ليخدع بذلك من يحاربه، ولذلك استدل بقوله: "الحرب خدعة". قوله: "فوالله لأن أخر" بكسر الخاء المعجمة أي أسقط. قوله: "من السماء" زاد أبو معاوية والثوري في روايتهما: "إلى الأرض " أخرجه أحمد عنهما، وسقطت للمصنف في علامات النبوة ولم يسق مسلم لفظهما. ووقع في رواية يحيى بن عيسى " أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوى بي الريح في مكان سحيق". قوله: "فيما بيني وبينكم" في رواية يحيى بين عيسى " عن نفسي " وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عن علي " قام فينا علي عند أصحاب النهر فقال: ما سمعتموني أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثوا به، وما سمعتموني أحدث في غير ذلك " ويستفاد من هذه الرواية معرفة الوقت الذي حدث فيه علي بذلك والسبب أيضا. قوله: "فإن الحرب خدعة" في رواية يحيى بن عيسى " فإنما الحرب خدعة " وقد تقدم في كتاب الجهاد أن هذا أعنى " الحرب خدعة " حديث مرفوع، وتقدم ضبط خدعة هناك ومعناها، قوله: "سيخرج قوم في آخر الزمان" كذا وقع في هذه الرواية وفي حديث أبي برزة عند النسائي: "يخرج في آخر الزمان قوم " وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده، فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي، وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم، وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة وفيه نظر، لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة، ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة، فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعا: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا " وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدون الثلاثين بنحو سنتين. قوله: "أحداث" بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو الصغير السن هكذا في أكثر الروايات، ووقع هنا للمستملي والسرخسي حداث بضم أوله وتشديد الدال، قال في " المطالع " معناه شباب جمع حديث السن أو جمع حدث، قال ابن التين حداث جمع حديث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كبير، والحديث الجديد من كل شيء ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار، وتقدم في التفسير حداث مثل هذا اللفظ لكنه هناك جمع على غير قياس، والمراد سمار يتحدثون قاله في النهاية، وتقدم في علامات النبوة بلفظ حدثاء بوزن سفهاء وهو جمع حديث كما تقدم تقريره، والأسنان جمع سن والمراد به العمر، والمراد أنهم شباب. قوله: "سفهاء الأحلام" جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل، والمعنى أن عقولهم رديئة. وقال النووي: يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل. قلت: ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة. قوله: "يقولون من خير قول البرية" تقدم في علامات النبوة وفي آخر فضائل القرآن قول من قال إنه مقلوب وأن المراد من قول خير البرية وهو القرآن. قلت: ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد القول الحسن في الظاهر وباطنه على خلاف ذلك كقولهم "لا حكم إلا لله" في جواب علي كما سيأتي. وقد وقع في رواية طارق بن زياد عند الطبري قال: "خرجنا مع علي - فذكر الحديث وفيه يخرج قوم يتكلمون كلمة الحق لا تجاوز حلوقهم " وفي حديث أنس عن أبي سعيد عند أبي داود والطبراني " يحسنون القول ويسيئون الفعل " ونحوه في حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد وفي
    (12/287)

    حديث مسلم عن علي يقولون الحق لا يجاوز هذا وأشار إلى حلقه. قوله: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم" في رواية الكشميهني: "لا يجوز" والحناجر بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حنجرة بوزن قسورة وهي الحلقوم والبلعوم وكله يطلق على مجرى النفس وهو طرف المرئ مما يلي الفم، ووقع في رواية مسلم من رواية زيد بن وهب عن علي " لا تجاوز صلاتهم تراقيهم " فكأنه أطلق الإيمان على الصلاة وله في حديث أبي ذر " لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم " والمراد أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم: "يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه " وهذه المجاوزة غير المجاوزة الآتية في حديث أبي سعيد. قوله: "يمرقون من الدين" في رواية أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عند النسائي والطبري " يمرقون من الإسلام " وكذا في حديث ابن عمر في الباب. وفي رواية زيد بن وهب المشار إليها، وحديث أبي بكرة في الطبري وعند النسائي من رواية طارق بن زياد عن علي " يمرقون من الحق " وفيه تعقب على من فسر الدين هنا بالطاعة كما تقدمت الإشارة إليه في علامات النبوة. قوله: "كما يمرق السهم من الرمية" بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية أي الشيء الذي يرمى به ويطلق على الطريدة من الوحش إذا رماها الرامي، وسيأتي في الباب الذي بعده. قوله: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة" في رواية زيد بن وهب " لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل " ولمسلم في رواية عبيدة بن عمرو عن علي " لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: "قال عبيدة قلت لعلي: أنت سمعته؟ قال: أي ورب الكعبة ثلاثا. وله في رواية زيد بن وهب في قصة قتل الخوارج " أن عليا لما قتلهم قال صدق الله وبلغ رسوله، فقام إليه عبيدة فقال: يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا " قال النووي: إنما استحلفه ليؤكد الأمر عند السامعين ولتظهر معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا ومن معه على الحق. قلت: وليطمئن قلب المستحلف لإزالة توهم ما أشار إليه على أن الحرب خدعة فخشي أن يكون لم يسمع في ذلك شيئا منصوصا، وإلى ذلك يشير قول عائشة لعبد الله بن شداد في روايته المشار إليها حيث قالت له " ما قال علي حينئذ؟ قال سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: رحم الله عليا إنه كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدونه"، فمن هذا أراد عبيدة بن عمرو والتثبت في هذه القصة بخصوصها وأن فيها نقلا منصوصا مرفوعا. وأخرج أحمد نحو هذا الحديث عن علي وزاد في آخره: "قتالهم حق على كل مسلم: "ووقع سبب تحديث علي بهذا الحديث في رواية عبيد الله بن أبي رافع فيما أخرجه مسلم من رواية بشر بن سعيد عنه قال: "إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا: لا حكم إلا لله تعالى، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم ولا يجاوز هذا منهم - وأشار بحلقه - من أبغض خلق الله إليه" الحديث. الحديث الثاني حديث أبي سعيد، قوله: "عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، ومحمد بن إبراهيم هو التيمي، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق. وهذا السياق كأنه لفظ عطاء بن يسار وأما لفظ أبي سلمة فتقدم منفردا في أواخر فضائل القرآن، ورواه الزهري عن أبي سلمة كما في الباب الذي بعده بسياق آخر، فلعل اللفظ المذكور هنا على سياق عطاء بن يسار المقرون به، وقد قرن الزهري مع أبي سلمة في
    (12/288)

    روايته الماضية في الأدب الضحاك المشرقي لكنه أفرده هنا عن أبي سلمة فامتاز لفظه عن لفظ الضحاك. قوله: "فسألاه عن الحرورية أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم" كذا للجميع بحذف المسموع، وقد بينه في رواية مسلم عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فقال يذكرها، وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة " قلت لأبي سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحرورية " أخرجه ابن ماجه والطبري، وأخرج الطبري من طريق الأسود بن العلاء عن أبي سلمة قال: "جئنا أبا سعيد فقلنا " فذكر مثله ومن طريق أبي إسحاق مولى بني هاشم " أنه سأل أبا سعيد عن الحرورية". قوله: "قال لا أدري ما الحرورية" هذا يغاير قوله في أول حديث الباب الذي يليه " وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه " فإن مقتضى الأول أنه لا يدري هل ورد الحديث الذي ساقه في الحرورية أو لا، ومقتضى الثاني أنه ورد فيهم، ويمكن الجمع بأن مراده بالنفي هنا أنه لم يحفظ فيهم نصا بلفظ الحرورية وإنما سمع قصتهم التي دل وجود علامتهم في الحرورية بأنهم هم. قوله: "يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها" لم تختلف الطرق الصحيحة على أبي سعيد في ذلك فعند مسلم من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته " وله من وجه آخر " تمرق عند فرقة مارقة من المسلمين " وله من رواية الضحاك المشرقي عن أبي سعيد نحوه، وأما ما أخرجه الطبري من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ: "من أمتي " فسنده ضعيف، لكن وقع عند مسلم من حديث أبي ذر بلفظ: "سيكون بعدي من أمتي قوم " وله من طريق زيد بن وهب عن علي " يخرج قوم من أمتي " ويجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد بالأمة في حديث أبي سعيد أمة الإجابة وفي رواية غيره أمة الدعوة، قال النووي: وفيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ، وفيه إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج وأنهم من غير هذه الأمة. قوله: "تحقرون" بفتح أوله أي تستقلون. قوله: "صلاتكم مع صلاتهم" زاد في رواية الزهري عن أبي سلمة كما في الباب بعده " وصيامكم مع صيامهم " وفي رواية عاصم بن شميخ عن أبي سعيد " تحقرون أعمالكم مع أعمالهم " ووصف عاصم أصحاب نجدة الحروري بأنهم " يصومون النهار ويقومون الليل ويأخذون الصدقات على السنة " أخرجه الطبري، ومثله عنده من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة. وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنده " يتعبدون يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم " ومثله من رواية أنس عن أبي سعيد، وزاد في رواية الأسود بن العلاء عن أبي سلمة " وأعمالكم مع أعمالهم " وفي رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن علي " ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا " أخرجه مسلم والطبري، وعنده من طريق سليمان التيمي عن أنس " ذكر لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن فيكم قوما يدأبون ويعملون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم أنفسهم " ومن طريق حفص بن أخي أنس عن عمه بلفظ: "يتعمقون في الدين " وفي حديث ابن عباس عند الطبراني في قصة مناظرته للخوارج قال: "فأتيتهم فدخلت على قوما لم أر أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوهم معلمة من آثار السجود " وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه " ذكر عنده الخوارج واجتهادهم في العبادة فقال: ليبسوا أشد اجتهادا من الرهبان". قوله: "يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" بكسر الميم وتشديد التحتانية فعيلة بمعنى مفعولة فأدخلت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث للإشارة لنقلها من الوصفية إلى الاسمية، وقيل إن شرط استواء المذكر والمؤنث أن يكون الموصوف مذكورا معه، وقيل شرطه سقوط الهاء من مؤنث قبل وقوع الوصف، تقول خذ ذبيحتك أي الشاة التي تريد
    (12/289)

    ذبحها فإذا ذبحتها قيل لها حينئذ ذبيح. قوله: "فلينظر الرامي إلى سهمه" يأتي بيانه في الباب الذي بعده، وقوله: "إلى نصله " هو بدل من قوله سهمه أي ينظر إليه جملة ثم تفصيلا، وقد وقع في رواية أبي ضمرة عن يحيى بن سعيد عند الطبري " ينظر إلى سهمه فلا يرى شيئا ثم ينظر إلى نصله ثم إلى رصافه " وسيأتي بأبسط من هذا في الباب الذي يليه، وقوله: "فيتمارى " أي يتشكك هل بقي فيها شيء من الدم، والفوقة موضع الوتر من السهم، قال ابن الأنباري الفوق يذكر ويؤنث وقد يقال فوقة بالهاء. الحديث الثالث حديث ابن عمر، قوله: "حدثنا عمر" في رواية غير أبي ذر " حدثني " بالإفراد كذا للجميع عمر غير منسوب، لكن ذكر أبو علي الجياني عن الأصيلي قال قرأه علينا أبو زيد في عرضه ببغداد " عمر بن محمد " ونسبه الإسماعيلي في روايته من طريق أحمد بن عيسى عن ابن وهب " أخبرني عمر بن محمد بن زيد العمري". قلت: وزيد هو ابن عبد الله بن عمر، وقد تقدم في التفسير بهذا السند حديث في تفسير لقمان عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب " حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر " ووقع في حديث الباب منسوبا هكذا إلى عمر بن الخطاب في رواية الطبري عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب. قوله: "عن عبد الله بن عمر وذكر الحرورية" هي جملة حالية، والمراد أنه حدث بالحديث عند ذكر الحرورية، وفي إيراد البخاري له عقب حديث أبي سعيد إشارة إلى أن توقف أبي سعيد المذكور محمول على ما أشرت إليه من أنه لم ينص في الحديث المرفوع على تسميتهم بخصوص هذا الاسم لا أن الحديث لم يرد فيهم.
    (12/290)

     

التوقيع :

خير الناس أنفعهم للناس

الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم المشاركة :
38
مشاركة ل الحبر الترجمان
إسم الموضوع : 2469
96 - سبعة يظلهم الله في ظله
التاريخ : 09/02/2016
الساعة : 15:15:00
أ.عبد العزيز

الحبر الترجمان الحبر الترجمان

أخر تواجد :

10:45 -- 08/01/2024


تاريخ التسجيل :

01/01/1970

المواضيع

87

المشاركات

429

عدد النقاط :

6470

المستوى :
  • قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى :

    3872 - ( عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم } رواه أحمد ) . 

     

    3873 - ( وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم } رواه أبو داود . وله من حديث أبي هريرة مثله ) . 

     

    حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي سعيد قد أخرج نحوهما البزار بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب بلفظ { إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم ذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم }

    وأخرج البزار أيضا بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ { إذا كانوا ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم } وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ، وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة وكلاهما رجالهما رجال الصحيح إلا علي ابن بحر وهو ثقة ، ولفظ حديث أبي هريرة { إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم }

    وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف ، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون ، ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة ، وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى 

    وفي ذلك دليل لقول من قال : إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام .

    وقد ذهب الأكثر إلى أن الإمامة واجبة ، لكنهم اختلفوا هل الوجوب عقلا أو شرعا ، فعند العترة وأكثر المعتزلة والأشعرية تجب شرعا ، وعند الإمامية تجب عقلا فقط ، وعند الجاحظ والبلخي والحسن البصري تجب عقلا وشرعا ، وعند ضرار والأصم وهشام القوتي والنجدات لا تجب

    نيل الأوطار  ص: 294 ، كتاب الأقضية والأحكام 

    باب وجوب نصب ولاية القضاء والإمارة وغيرهما 

     
التوقيع :

خير الناس أنفعهم للناس

الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم المشاركة :
39
مشاركة ل الحبر الترجمان
إسم الموضوع : 2469
96 - سبعة يظلهم الله في ظله
التاريخ : 09/02/2016
الساعة : 15:15:00
أ.عبد العزيز

الحبر الترجمان الحبر الترجمان

أخر تواجد :

10:45 -- 08/01/2024


تاريخ التسجيل :

01/01/1970

المواضيع

87

المشاركات

429

عدد النقاط :

6470

المستوى :
  • قال إبن تيمية رحمه الله تعالى  في السياسة الشرعية :

    ص: 217 ] الفصل الثامن وجوب اتخاذ الإمارة 

    يجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم { إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم } ، رواه أبو داود ، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة . 

    وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو ، أن النبي قال : { لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم }

    فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر ، تنبيها على سائر أنواع الاجتماع ، ولأن الله - تعالى - أوجب الأمر [ ص: 218 ] بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة . 

    وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم ، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا روي : { أن السلطان ظل الله في الأرض } ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان " . 

    والتجربة تبين ذلك ; ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون : " لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان " وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله ليرضى لكم ثلاثة : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم } ، رواه مسلم . 

    وقال : { ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ، [ ص: 219 ] ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم } . رواه أهل السنن . 

    وفي الصحيح عنه أنه قال : { الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } . 

    فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله ، فإن التقرب إليه فيها ، بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات ، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها . 

    وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من [ ص: 220 ] حرص المرء على المال أو الشرف لدينه } قال الترمذي حديث حسن صحيح 

    فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة ، يفسد دينه ، مثل أو أكثر من إرسال الذئبين الجائعين لزريبة الغنم . 

    وقد أخبر الله - تعالى - عن الذي يؤتى كتابه بشماله ، أنه يقول : { ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه } . 

    وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون ، وجامع المال أن يكون كقارون وقد بين الله - تعالى - في كتابه حال فرعون وقارون ، فقال تعالى : { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق } وقال تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } . 

    فإن الناس أربعة أقسام : القسم الأول : يريدون العلو على الناس ، والفساد في الأرض هو معصية الله ، وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون ، كفرعون وحزبه ، وهؤلاء هم شر الخلق قال الله تعالى : { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي [ ص: 221 ] نساءهم إنه كان من المفسدين } . 

    وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من في قلبه ذرة من إيمان . فقال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا . أفمن الكبر ذاك ؟ قال : لا ، إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس } فبطر الحق ، دفعه وجحده ، وغمط الناس ، احتقارهم وازدراؤهم وهذا حال من يريد العلو والفساد .

    والقسم الثاني : الذين يريدون الفساد ، بلا علو ، كالسراق المجرمين من سملة الناس .

    والقسم الثالث : يريد العلو بلا فساد ، كالذين عندهم دين ، يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس .

    القسم الرابع : فهم أهل الجنة الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم كما قال الله تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } وقال تعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن [ ص: 222 ] يتركم أعمالكم } وقال : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } . 

    فكم ممن يريد العلو ولا يزيده ذلك إلا سفولا ، وكم ممن جعل من الأعلين وهو لا يريد العلو ولا الفساد ، وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم ، لأن الناس من جنس واحد ، فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ، ظلم ، ومع أنه ظلم ، فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادونه ، لأن العادل منهم لا يحب أن يكون مقهورا لنظيره ، وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر ، ثم إنه مع هذا لا بد له - في العقل والدين من أن يكون بعضهم فوق بعض كما قدمناه ، كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس . 

    قال تعالى : { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم } . 

    وقال تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله ، فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإنفاق ذلك في سبيله ، كان ذلك صلاح الدين والدنيا . 

    وإن انفرد السلطان عن الدين ، أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس ، وإنما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته ، بالنية والعمل الصالح ، كما في الصحيحين عن [ ص: 223 ] النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم } . 

    ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف ، صاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان وكمال الدين ، ثم منهم من غلب الدين ، وأعرض عما لا يتم الدين إلا به من ذلك ، ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك ، فأخذه معرضا عن الدين ، لاعتقاده أنه مناف لذلك ، وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل ، لا في محل العلو والعز ، وكذلك لما غلب على كثير من أهل الديانتين العجز عن تكميل الدين ، والجزع لما قد يصيبهم في إقامته من البلاء ، استضعف طريقتهم واستذلها من رأى أنه لا تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها . 

    وهاتان السبيلان الفاسدتان - سبيل من انتسب إلى الدين ، ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال ، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ، ولم يقصد بذلك إقامة الدين هما سبيل المغضوب عليهم والضالين ، الأولى للضالين النصارى ، والثانية للمغضوب عليهم اليهود 

    وإنما الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، هي سبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسبيل خلفائه وأصحابه ، ومن سلك سبيلهم ، وهم السابقون الأولون من [ ص: 224 ] المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، ذلك الفوز العظيم . 

    فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه ، فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله ، وإقامة ما يمكنه من دينه ، ومصالح المسلمين ، وأقام فيها ما يمكنه من ترك المحرمات ، لم يؤاخذ بما يعجز عنه ، فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار . 

    ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ، ففعل ما يقدر عليه ، من النصيحة بقلبه ، والدعاء للأمة ، ومحبة الخير ، وفعل ما يقدر عليه من الخير ، لم يكلف ما يعجز عنه ، فإن قوام الدين الكتاب الهادي ، والحديث الناصر كما ذكره الله - تعالى - فعلى كل أحد الاجتهاد في إيثار القرآن والحديث لله ولطلب ما عنده مستعينا بالله في ذلك ، ثم الدنيا تخدم الدين ، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : " يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر بنصيبك من الدنيا ، فانتظمها انتظاما ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر . 

    ودليل ذلك ما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أصبح والآخرة أكبر همه جمع له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له } . 

    وأصل ذلك في - قوله تعالى : { وما [ ص: 225 ] خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } . 

    فنسأل الله العظيم أن يوفقنا وسائر إخواننا المسلمين ، لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين .

التوقيع :

خير الناس أنفعهم للناس

الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم المشاركة :
40
مشاركة ل الحبر الترجمان
إسم الموضوع : 2469
96 - سبعة يظلهم الله في ظله
التاريخ : 21/02/2016
الساعة : 15:15:00
أ.عبد العزيز

الحبر الترجمان الحبر الترجمان

أخر تواجد :

10:45 -- 08/01/2024


تاريخ التسجيل :

01/01/1970

المواضيع

87

المشاركات

429

عدد النقاط :

6470

المستوى :
  • 675 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

     

    يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم

    رواه مسلم

    676 - وعنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني فضرب بيده على منكبي ثم قال :

    يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيه

    رواه مسلم

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح هذا الحديث من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمهم الله تعالى :

    ذكر الحافظ النووي رحمه الله في باب النهي عن سؤال الإمارة ما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

    إنك امرؤ ضعيف وإني أحب لك ما أحب  لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين على مال يتيم

    هذه أربع جمل بين الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي ذر فيها ما بين

    الأولى: قال له: إنك امرؤ ضعيف وهذا القول إذا كان مصارحة أمام الإنسان فلا شك أنه ثقيل على النفس وأنه قد يؤثر فيك أن يقال لك إنك امرؤ ضعيف لكن الأمانة تقتضي هذا أن يصرح للإنسان بوصفه الذي هو عليه إن قويا فقوى وإن ضعيفا فضعيف هذا هو النصح إنك امرؤ ضعيف ولا حرج على الإنسان إذا قال لشخص مثلا إن فيك كذا وكذا من باب النصيحة لا من باب السب والتعيير فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: إنك امرؤ ضعيف

    الثانية: قال: وإني أحب لك ما أحبه لنفسي وهذا من حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام لما كانت الجملة الأولى فيها شيء من الجرح قال وإني أحب لك ما أحب لنفسي يعني لم أقل لك ذلك إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي 

     
    الثالثة: فلا تأمرن على اثنين يعني لا تكن أميرا على اثنين وما زاد فهو من باب أولي والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يكون أميرا لأنه ضعيف والإمارة تحتاج إلى إنسان قوي أمين قوي بحيث تكون له سلطة وكلمة حادة وإذا قال فعل لا يكون ضعيفا أمام الناس لأن الناس إذا استضعفوا الشخص لم يبق له حرمة عندهم وتجرأ عليه لكع بن لكع وصار الإنسان ليس بشيء لكن إذا كان قويا حادا في ذات الله لا يتجاوز حدود الله عز وجل ولا يقصر عن السلطة التي جعلها الله له فهذا هو الأمير حقيقة
    الرابعة :  لا تولين مال يتيم واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتولى على مال اليتيم لأن مال اليتيم يحتاج إلى عناية ويحتاج إلى رعاية إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وأبو ذر ضعيف لا يستطيع أن يرعى هذا المال حق رعايته فلهذا قال ولا تولين مال يتيم يعني لا تكن وليا عليه دعه لغيرك ففي هذا دليل على أنه يشترط للإمارة أن يكون الإنسان قويا وأن يكون أمينا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال إنها أمانة 
     
    فإذا كان قويا أمينا فهذه هي الصفات التي يستحق بها أن يكون أميرا فإن كان قويا غير أمين أو أمينا غير قوي أو ضعيفا غير أمين فهذه الأحوال الثلاثة لا ينبغي أن يكون صاحبها أميرا ولكن يجب أن نعلم أن الأشياء تتقيد بقدر الحاجة فإذا لم نجد إلا أميرا ضعيفا أو أميرا غير أمين وكان لا يوجد في الساحة أحد تنطبق عليه الأوصاف كاملة فإنه يولى الأمثل فالأمثل ولا تترك الأمور بلا إمارة لأن الناس محتاجون إلى أمير ومحتاجون إلى قاض ومحتاجون إلى من يتولى أمورهم فإن أمكن وجود من تتم فيه الشروط فهذا هو الواجب وإن لم يوجد فإنه يولى الأمثل فالأمثل لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وتختلف الأنظار فيما إذا كان لدينا رجلان أحدهما أمين غير قوي والثاني قوي غير أمين كل منهما معيب من وجه لكن في باب الإمارة يفضل القوي وإن كان فيه ضعف في الأمانة لأن القوي ربما يكون أمينا لكن الضعيف الذي طبيعته الضعف فإن الطبع لا يتغير ولا يتحول غالبا فإذا كان أمامنا رجلان أحدهما ضعيف ولكنه أمين والثاني قوي لكنه ضعيف في الأمانة فإننا نؤمر القوي لأن هذا أنفع للناس فالناس يحتاجون إلى سلطة وإلى قوة وإذا لم تكن قوة ولا سيما مع ضعف الدين ضاعت الأمور
التوقيع :

خير الناس أنفعهم للناس

  لكتابة موضوع جديد في نفس القسم :
الإنتقال إلى أعلى الصفحة
رقم الصفحة :

عدد الأعضاء المسجلين في منتدى المحجة البيضاء :389

عضو ، هؤلاء الأعضاء قاموا بتفعيل عملية التسجيل.


    عدد المواضيع :132 موضوع .

    عدد المشاركات :690 مشاركة .

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : مناظرة في علو الله تعالى و استوائه على عرشه

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : الأدلة العقلية و النقلية في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : برنامج تعليم الأرقام من 1 الى 100

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : المخطط الكهربائي لمحرك السيارة

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : أين الله؟

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : سبعة يظلهم الله في ظله

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : الوباء و الطاعون

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : أخطاء تمنع من تحقيق حفظ القرآن الكريم

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : ألا بذكر الله تطمئن القلوب

    الموضوع الأكثر تصفحا هو : برنامج تدريبات على جدول كارنوف

    يتصفح المنتدى حاليا : 1 متصفح .