قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
سَبْعَةٌ يُظلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ ، وشَابُّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ، فَاجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَافْتَرَقَا عَلَيْهِ ، رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مُنْصَبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يمِنُهُ
نتابع بعون الله في شرح حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن الجزاء من جنس العمل ، و قد استحق كل صنف من هؤلاء رحمة الباري جل جلاله بفضل صفة أخلص فيها لله تعالى:
1- فالإمام نال ذلك بعدله بين الرعية فلم يظلم الناس ، إنه الإمام الذي يحبه المسلمون في السر و العلانية و يدعون له في الحياة بالنصر و التمكين و في الممات بالرحمة و الرضوان ، إنه الإمام الذي لا يريد علوا في الأرض و لا فسادا و الذي يرى أن المنصب الذي أكرمه الله به ما هو إلا فتنة و ابتلاء فيتجرد من الكبر و الخيلاء و يتواضع لله بين رعيته و يقدم مصالحهم على مصلحته و مصالح قرابته .
2- و الشاب شب في طاعة الله فزكى نفسه و نهاها عن الهوى ، إنه ذلك الشاب الذي أعرض عن الهوى فلم ينشغل بزينة الحياة الدنيا ، إنه ذلك الشاب الذي استعمل قوته في طاعة الله و لم يستعملها في ما يغضب الله تعالى ، إنه الذي أقلع عن المعصية قادرا رغم وساوس الشياطين و ما تهم به النفس الأمارة بالسوء.
3- أما ذلك الرجل الذي تعلق قلبه بالمسجد فلا شيء يلهيه عن ذكر الله فخوفه من اليوم الذي تتقلب فيه القلوب و الأبصار يجعله يتذكر موعود الله تعالى للأبرار فينشغل بطاعة الله و يقدمها على كل شيء كلما سمع نداء حي على الصلاة حي على الفلاح ترك ما كان به مشغولا و أجاب المنادي الى الصلاة ، الصلاة عنده أساس العبادة عليه أن يؤديها كما أمر الله في أوقاتها مع الجماعة لا يتركها في الحضر و لا في السفر صحيحا كان أو سقيما .
4- قد يجتمع الناس في دنياهم على المصالح لكن أخوة الإيمان يؤلف الله بينها في حب الله و مرضاته بحيث يؤثر بعضهم بعضا و لو كان به خصاصة فيوالي أحدهما الأخر في حب الله و رسوله صلى الله عليه و سلم فلا يزول هذا الولاء و الحب أبدا ما دامت الإستقامة على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن لحق بالرفيق الأعلى دعا له أخاه بالمغفرة و الرضوان : ربنا اغفر لنا و لإخواننا الدين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. إنها المؤاخاة التي لا تنال إلا برضوان الله و التي يكون فيها الصدق و الأمانة و الخلق الرفيع.
5- إن القلوب القاسية لا تبكي و لا تتعظ بينما يتأثر القلب المطمئن بما قدره الله على عباده من الخير و الشر ، تلاوته للقرآن تجعل قلبه يلين و يخشع فيبكي خوفا من عقاب الله و طمعا في رحمة الله و رضوانه ، إن العين لتدمع و إنها لدموع رحمة جعل الله فيها سكينة القلب وذهاب الحزن و التسليم لقضاء الله و قدره ، يخلو العبد بنفسه و يذكر الله فيسيل الدمع من عيونه من غير تكلف فيحس براحة تامة لا مثيل لها ، عندما تسيل الدموع على خده يحس بقلب منشرح و اتساع في الأفق و رب رحيم قد أنزل عليه السكينة ، إنها لحظة مباركة لا يمكن التعبير عنها إلا بخشوع يليه سيل الدموع على الخدود و ما أعظمه عندما تنفرد فتذكر الله فتفيض عيونك بالدمع لأنك تعرف الله و لأن معرفتك لله قد وصلت الى محلها ألا و هو القلب لا كمن يقرأ القرآن و قراءته عياذا بالله لم تتجاوز تراقيهم.
6- إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها و بغض من أساء إليها ، و إن الإنسان النبيل أسير من أحسن إليه و ذلك لأنه يود دائما أن يجزي الإحسان بالإحسان ، و قد جعل الله المرأة من زينة الحياة ، قد تكون سبب فتنة بعض الناس خاصة إذا كانت لها سلطة و جمال تغري به العفيف ، إن إمتنع عاقبته و افترت عليه كما في قصة الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، و هذا أن السلطة تغر من كانت في حوزته أن يبطش بمن لا يوافق هوى نفسه كما أخبر الله عن فرعون لما قال : لئن اتخذت الها غيري لأجعلنك من المسجونين ، و كما أخبر الله عن قوم النمروذ في إبراهيم عليه السلام : قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ، فعندما يأتي الإغراء من ذوي البطش فهو إرغام و إكراه إن لم يقبله من قدم إليه عجلوا عقوبته وصار عندهم بغيضا بعدما كان محبوبا كما في قوله تعالى : قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب .
7- قال الله تعالى : و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون ، إن إبليس يأتي ابن آدم من كل سبيل فإن استعصم العبد بالله حاول أن يوسوس في قلبه حتى ينال منه ما دون الشرك الأكبر كالرياء أو الشرك الخفي، و عندما يتصدق الإنسان علانية قد يصيبه الإعجاب بالنفس أو الفخر أو أي صفة من صفات الرياء و لذلك فضل الله من عباده : الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا يحزنون ، و كان جزاء من أخفى صدقته أن يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
سأقوم بذكر فضل كل صفة من هذه الصفات لاحقا بإذن الله تعالى